نظر في تقرير لجنة الحريات

نظر في تقرير لجنة الحريات

ـ كتب الاستاذ بلقاسم الهمامي ـ

بيرن ـ سويسرا ـ  في 24 جوان 2018

يقف النّظر في التقرير عند الصفحة 53 وأما ما بعدها فهو جدول اقتراح عقوبات جزائية يجدر بالمختصين تناوله.

التقرير

يحتوي التقرير على 235 صفحة في جزأين و مقدمتين أما المقدمتان فهما بمثابة شرح المنهج المتوخي و إطراء للسبق المعتبَر تاريخيا من طرف الباحثين و أما الجزآن فهما استقراء للمواطن التي اعتبرتها اللجنة مظهرا من مظاهر النيل من الحريات الفردية ثم تعليل هذا الاعتبار

1) المقدمة الأولى

تبدأ اللجنة بتعليل تقديمها لهذا التقرير وقد جاء تعليلها شرحا لوجودها الموافق للدستور والصادر عن رئاسة الجمهورية وتاريخ ذلك الصدور ثم تضع اللجنة نفسها في سياق تاريخي إصلاحي عميق في تونس انطلاقا من 1857 تاريخ صدور عهد الأمان ثم دستور 1861ودستور الاستقلال 1959 لتضع الرحال في دستور الثورة سنة 2014

فمن حيث التّموقع التاريخي فقد عملت اللجنة على أن تضع نفسها ومن ثم عملها في إطار تاريخي إصلاحي يضرب جذوره في الحركة الاصلاحية التي عرفها نظام البايات منذ قرن و نصف تقريبا وهذا التحديد الزمني ليس مجانيا فاللجنة أرادت منذ البداية القطيعة التاريخية مع الحركة الفكرية الاسلامية التي قدمت الى شمال افريقيا قبل ذلك بقرون و الامر واضح لأن اللجنة تريد ان تحمّل هذه الحركة الاسلامية مسؤولية التخلف وبالتالي لا تكون إزالة التخلف إلا بإزالة أسبابه ولذلك اتجهت أساسا في كل ابحاثها إلى نسف الاحكام الاسلامية واعتبارها إعتداء صارخا على الحريات كما سنرى لاحقا.

الملاحظ أن اللجنة ركَّزت بإطناب على المكتسبات التي حققتها المرأة التونسية بصدور مجلة الاحوال الشخصية و التحويرات التي حدثت لتطوير المجلة سنة 1993 وكأن مسألة الحريات تهمّ المرأة فقط لأنّ الرجل كان هو المتسلّط و ليس النظم السياسية المتتالية , فتوجّه البحث هذه الوجهة جعل التقرير يهم نصف المجتمع ويجعل الثاني هو المسؤول عن وضع انعدام الحرية لذلك ظهرت خلال المقدّمة إيحاءات تمجيد لسياسة بورقيبة باعتبارها تطبيق لما ورد من قوانين في مجلة الاحوال الشخصية. لا يخفى على أحد أن اللجنة تغازل رئيس الجمهورية باعتباره من المعجبين ببورقيبة وتدفعه أن يتبنى التقرير دون مراجعة ويرسله بأكمله كما هو الى البرلمان للمصادقة عليه؟؟؟

المقدمة الثانية (مقاربة اجتماعية و دينية)

هي بمثابة التأصيل الشرعي للمقترحات اليسارية للجنة وفيها وقع اشباع البحث ب:

ــ مفاهيم خاطئة أو غامضة من قبيل(ولد الفرد في مرحلة البعثة ولم يكن غائبا)؟؟؟

ــ خلط بين موضوع حرية الانسان التي يكفلها الاسلام و بين جوازالخوض في الأحكام الشّرعية لأنّ الحريّة ليست قُدرة علميّة تُخوّل لأي انسان ان يتناول الأحكام بالنّقد و التّجريح و إنَّما هذه مسؤوليّة العالم حتَّى و إن لم يكن حرّا , صحيح أنَّ كل انسان يولد حرّا و يبقى كذلك ما بقي على قيد الحياة ولكن ليس كل انسان قادرا على الخوض في المعارف ما لم يكن عارفا مسبقا أي مكتسبا لشروط البحث.

ــ معارك وهمية لم توجد في الحركة الفكرية الاسلامية مثل مفهوم الخلافة بين الإنسان عموما وبين المفهوم السياسي والحاكمية باسم الله التي هي شذوذ عن الأصل و التي قاومها الفكر الإسلامي منذ نشأتها في عهد الدولة الأموية و انظر مثلا ما يسمى عادة محن الأئمة مثل محنة أبي حنيفة و محنة الإمام مالك وغيره عند تصديهم لرغبة السلطان .

ــ الدخول في تفاصيل فقهية وكلامية قصد توظيف المعنى المقصود للحريّة وفي بعض الأحيان أقتربت التحاليل من السفسطة مثل الخوض في قضية الاصل في الأشياء الحليّة والقطع بذلك رغم وجود مذاهب تقول بالأصل في الاشياء الحرمة مالم نجد نصا يحللها  و اعتبار الرأي الأخير تعسفا على الشرع بل وحتّى خارجا عن القاعدة وهذا ضرب من إيهام القارئ أنّ المسألة أصبحت شرعيّة و المواقف و الاستنتاجات التي ستنبثق عن هذه الدراسة تصبح شرعيّة بدورها , لقد غرق التقرير في الأبعاد الدينية و لكنّ الاستنتاجات كانت خارجة عن الشرع تماما كما سنرى ذلك

مسألة المساواة (ص10)  

1 ـ إخراج أحكام الميراث من العقائدي إلى الإجتماعي

الدّين عقيدة و أحكام و لكنّ الأحكام لا تتميّز عن العقيدة الثابتة إذ فيها المتحوّل الذي يحكمه نص ظنّي الدّلالة وفيه الثابت الذي يحكمه نصّ قطعي الدلالة و هذا النّصّ متى وجد زال الاجتهاد إذ القاعدة تقول ( لا اجتهاد مع النّصّ) و ( لا اجتهاد في الفرائض إلاّ في التطبيق ) ومن امثال ذلك

أ) تحريم الربا فقد قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،)

فليس هناك اجتهاد في الحكم لاستنباط حكم آخر مغايرا أي فيه الحلّيّة لأنّه لا توجد عبارة يمكن أن تحمل اكثر من معنى حتّى تُصبح ظنّية المدلول و يمكن مناقشة الحكم انطلاقا منها

ب ) ضبط قيمة الميراث بكسور حسابية دقيقة لا تحتمل اجتهادا من قبيل السدس و الثلث والنصف و الربع وهي أرقام مفهومة لا يمكن أن تكون حاملة لعدة معاني و لكن قيمتها تختلف طبعا حسب قيمة الإرث المتروك وجعل الله ذلك فرضا تماما مثل الصلاة و الصيام و شعائر الحج بقوله عز و جل مختتما آيات الميراث(فريضة من الله، إن الله كان عليما حكيما) فخصص نفسه بالعلم حتى لا يتوهم واهم أنه يجوز التغيير كما وصف نفسه عز و جل بالحكمة حتى لا يقول المتوغلون بغير حق إن الزمن تغيّر و من الحكمة التغيير في المفروض.

لقد ورد نص المنظم للإرث مسبوقا بعبارة (يوصيكم الله في أولادكم ...) والمعنى لا يحتمل النّصيحة بل يضيق على الواجب دون سواه ولا علاقة له بقاعدة (الأصل في الأشياء الحلّية ) لان الامور الحلال هي المستحدثة التي لا تعارض نصا والمتعلّقة بالمصالح المرسلة

إنّ الأحكام العقائدية لا قيمة لها متى جعلناها مقتصرة على الطقوس الدينية مثل الصلاة و الصوم و الحج ووو وقيمتها الحقيقة تكمن في المعاملات فما قيمة صلاة العبد وصيامه إذا كان يتعامل مع حرفائه بالربا.

إنّ قطعية النّص تعني أمرين :

1) إلتزام المسلم بالتّطبيق وإن لم يفهم المصلحة أو المقصد الشرعي من ذلك

2) ليس المقصود من النّص القطعي الاجتهاد أو الفهم و إنّما هو اختيار اللّه و تطبيق إرادته واجب شرعي وفريضة غير قابلة للتغيير عبر العصور وإن اختلفت الأوضاع و تغيّرت يبقى النّصّ القطعي الدّلالة ثابتا من الثّوابت التي لا تتزحزح وهي الصفة الشرعية للمسلم بها يختلف عن سائر المتديّنين

أما التغييرات التي تحدث عبر العصور في المجتمعات ففيها نظر لأنّ الأحكام الشرعية التي كانت نتاج لنص قطعي الدلالة هي التي تكيّف المجتمع الاسلامي فقوانين الاسلام الثابتة نزلت من السماء لتكون بمثابة الحقل القانوني الذي يتطوّر داخله المجتمع إنّها القالب الذي يطبع القوانين الاقتصادية والاجتماعية المستحدَثَة فلا يمكن مثلا بتعلّة التطوّر الانساني الحادث أن يقع سنّ قانون يسمح بزواج الأخ من أخته أو من أمّه او حتّى من أبيه حسب قانون حريّة المثلية الجنسية فهذه الأمور و إن أصبحت منتشرة في العالم بأسره فإنّ في الإسلام آيات قطعيّة الدّلالة تضع المسألة الجنسيّة بين حدّيْ التّحريم و التّحليل. فليس لأنّ المجتمعات الإنسانية سمحت بسلوكيات و علاقات معيّنة وجعلتها بهتانا من الحريّات الفرديّة ليس لأنّ ذلك وقع يجب على القوانين الاسلامية أن تعترف به حتّى لا تصبح رجعيّة او حتّى لا يتجاوزها الزّمن.

إنّ معنى الحرّيّة مختلف تماما عن معنى الفوضويّة فمادام الانسان يعيش في مجتمع فأوكد الواجبات أن يحافظ على ذلك المجتمع .

إنّ تطوّر نسبة التّعليم في تونس شيئ إيجابي للغاية وشموله للمرأة اكثر إيجابيّة ولكن كوننا أصبحنا متعلّمين إناثا و ذكورا  لا يعطينا الحق الشّرعي حتّى نطعن في احكام الله بل بالعكس يفرض علينا أن نزيد احترامنا لهويتنا الثقافية و هذه الهوية ليست صلاة و لا صوما و لا حجا و إنّما معاملات و مواقف وهذه المعاملات و الموقف لا تحددها إلا النصوص القطعية الدلالة التي تثبت أمام أي غزو خارجي حتى و إن اضمحلت ظواهر و مظاهر أخرى بفعل الاجتهاد ورغبات سلاطين الداخل و الخارج.

إنّ انتشار ظاهرة مرضيّة في مجتمع معيّن لا يعطي لتلك الظاهرة أيّة شرعيّة بل تبقى مهدّدة للمجتمع ويجب مقاومتها ولذلك ورد في الحديث أنّ مقاومة المنكر واجب شرعي يختلف باختلاف وضع المسلم فإن كان حاكما فواجبه أوكد من الفلاح و إن كان عالما فواجبه أوكد من السلطان حتّى لا يصبح المنكر معروفا ويختلط الأمر على النّاس كما في هذا التقرير.فلا يجب أن نخلط بين تطوّر المرأة في المعارف الذي هو واجب شرعي مقصود لتطوّر المجتمعات و بين نوعيّة الحقوق التي ضبطتها الشريعة لكل جنس

إنَّ مسألة توزيع الثّروة طبقا لتعاليم الاسلام هي أكفل طريقة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين و الخروج عنها لغيرها هو غبن للمرأة بالذات و لكنَّ اللجنة لم تطَّلع أبدا على نظام المواريث في الإسلام و تعلَّقت همَّتها بآية وحيدة تعكس حالة وحيدة من حالات الميراث و هي قول الله عزّ و جلّ (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين ..) ووقفت اللجنة عند نصف الآية و لم تنظر الى تعديد الحالات و الوضعيات التي تلتها ( فإن كانتا اثنتين فلهما ...و عن كان ...)بل ولم تنظر حتَّى في أسباب نزول تلك الآية بالضبط فقد ٱختلفت الروايات في سبب نزول آية المواريث؛ فروى الترمذيّ وأبو داود وابن ماجه والدارقطنِيّ عن جابر بن عبد الله أن ٱمرأة سَعْد ابن الربيع قالت: يا رسول الله، إن سعداً هلك وترك بنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن؛ فلم يجبها في مجلسها ذلك. ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ادع لي أخاه” فجاء فقال له: “ادفع إلى ابنتيْه الثلثين وإلى ٱمرأته الثمن ولك ما بقي .

ولقد كان نصيب أخ سعد السدس في هذه الحادثة فكيف لو وقع التقسيم بالتساوي فتحصل البنتان على النصف عوض الثلثين و يبقى الثلث ليقع تقسيمه بين زوجة سعد و أخيه فيتحصل كل واحد على السدس أي إن ثروة سعد لم يخرج منها إلا السدس و بقيت الخمسة أسداس للأرمل و اليتيمتين. ( انظر  سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السَِّجِسْتاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، كتاب الفرائض، باب: ما جاء في ميراث الصلب، حديث رقم: 2892: :3/121)

إن الرجوع إلى قواعد شرعية للاحتجاج بها يتطلَّب معرفة دقيقة بالقاعدة وقد أظهرت اللجنة ضعفا فادحا في فهم القاعدة الأصولية ( إن الحكم يدور مع علته وجودا و عدما ) فمثل هذه القواعد لا تتناول الأحكام التعبدية و لا الأحكام المنبثقة عن النصوص القطعية الدلالة فهذه القاعدة لا تنطبق على هذا النوع من الأحكام مثل تحديد أعداد الركعات في الصلوات الخمس، وتحديد مقادير الأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقادير ما يجب فيها، ومقادير الحدود والكفّارات، وفروض أصحاب الفروض في الإرث(انظر كتاب عبد الوهاب خلاف &علم أصول الفقه & ص 62 و ما يليها , فلا جب أن نردَّ الفرائض في الإرث إلى علَّة واجب الإنفاق الموكول إلى الرَّجل ثمَّ نستنتج أنّ المرأة أصبحت هي أيضا تنفق و بالتالي فقد انتفت العلَّة فيجب أن ينتهي الحكم و هو استنتاج خاطئ لأنّه انطلق من تحديد خاطئ للعلَّة في حين أن جل العلماء يقولون أن العلَّة مبهمة أي غير واضحة  أن البحث في العلة ومسالكها ، وتعليل الأحكام الشرعية من عدمه ، والنظر في ثبوت العلة أو انتفائها ، وما يتعلق بذلك كله ,هذا البحث إنما هو وظيفة العالم الفقيه ، والإمام المجتهد ، لا وظيفة آحاد الناس ، ولو بلغ من الثقافة ما بلغ ، أو الشهادات ما حصل ؛ فإن ذلك البحث ليس من شأنه ، ولا من وظيفته لأنَّه يسوقه إلى استنتاجات يظلم فيها نفسه و شعبه و دينه هذا إذا كان له دين فإمّا إن لم يكن له دين فمحرم عليه الخوض في الأحكام الشرعية و إن فعل فنتاجه جهل لا يجب الاعتبار به و لا النظر إليه

وقد تكون العلة شرعية وهي ما توقف العقل في إدراكها كتحريم لحم الخنزير .ولحوم القرابين لغير الله , و من الملاحظ في الأحكـام الشـرعية هو ٖتحقيـق المصـلحة مـن جلـب نفـع أو دفـع ضـر. والإعتبـار في تقـديرالمصالح و المفاسد هو تقـدير الشـارع ، ولـيس تقـدير النـاس.

إنّ الاحتجاج باجتهاد ابي بكر في مسألة توريث الجد لا علاقة له بموضوع المساواة في الإرث إذ أن إضافة الجد لا ينتج عنها تغيير للنص القرآني أو تحريف فيه و انَما هي من قبيل توسيع المنفعة بحكم لم يكن موجودا مع وجود قرائن لفظية تسمح بوجوده من قبيل الأحاديث المذكورة في التقرير وإتباعا لقواعد توزيع الإرث التي منها :

ــ   لا يجتمع ميراثان على سلسلة واحدة : فابن الابن لا يرث مع وجود الابن لأنَّهما على سلسلة واحدة وهذه القاعدة وتأتي متناسقة مع القاعدة الفرضية التالية

ــ من أدلى للميت بواسطة حجبته تلك الواسطة :  فأبناء الابن أو بنات الابن لا يقومون مقام الابن ولا يرثون نصيبه في حالة وجوده ، ومفهوم المخالفة لهذه القاعدة هو التالي:

ــ المحجوب بواسطة يقوم مقامها عند عدمها : فأبناء الابن أو بنات الابن يقومون مقام الابن ويرثون نصيبه في حالة غياب الابن، وينطبق الأمر كذلك على أبناء الأخوة في حالة فقدان الأخوة، الخ من قواعد تسهيل قسمة الإرث

وقد ورد كذلك حديثا مفاده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم “، رواه أبو داوود

 فاجتهاد أبي بكر لم يغيّرْ بل أضاف اعتمادا على حديث الرسول صلى الله عليه و سلم السالف الذكر,على عكس المساواة في الميراث إنّما هو تغيير شامل لأحكام قطعية الدلالة مع انعدام أية قرينة لفظية في النص أو في السنة تسمح بذلك.

المسألة العمرية:

سميت كذلك نسبة الى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ولها صورتان :

1) صورة وفاة زوجة ولم تترك ولدا و تركت زوجا وأبا لها و أما لها أيضا

2) صورة وفاة زوج و ترك زوجة و أبا له و اما له أيضا

فالأصل ان ترث الأم ثلث التركة إذا لم يكن للميّت ولد و لا إخوة لقوله تعالى (و لأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس...)

لكن في العمريتين ترث الأم ثلث الباقي بعد خصم فرض احد الزوجين الموجود على قيد الحياة و لا ترث ثلث المال كله و بذلك يكون الحكم في الصورة الاولى أي وفاة الزوجة : 6/6 هو قيمة الإرث حسابيا

ــ للزوج 6/3

ــ للأم 6/1

ــ للأب الباقي

وأما الصورة الثانية أي وفاة الزوج : 4/4 هو القيمة الحسابية للإرث:

ــ للزوجة 4/1

للأم 4/1

للأب الباقي

فاجتهاد عمر يتمثّل في تفعيل السابقة من الآيات مع التالية  ونعني بها ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ...)فليس هناك مس من الأحكام بل هناك اجتهاد في التطبيق

إنّ إثارة بعض المواقف الفقهية دون تقديم لحيثياتها و دون وضع لها في سياقها العام من المسألة الغرض منه تشريع المساس من النصوص القطعية الدلالة باسم شرعية الاجتهاد في النص عموما مهما كانت رتبته في التقديس وقد فعلت اللجنة نفس الشيئ في مسألة (حق الكد و السعاية ) وزادت أنها أخرجت المسألة من سياقها و حشرتها عنفا في الميراث دون أن تكون له علاقة بذلك و غنما المسألة تتعلق بضمان حقوق الأحياء الشركاء في عمل عند وفاة الشريك والمسألة ترجع إلى سيدنا عمر رضي الله عنه فقد توفي عمر ابن الحارث وترك زوجة اسمها حبيبة بنت زريق وكانت حبيبة نسّاجة ,طرَّازة وكان زوجها يتاجر فيما تنتجه و تصلحه حتّى اكتسبا من جراء ذلك مالا وفيرا ولما مات زوجها جاء اولياؤه وتسلموا مفاتيح الخزائن إلا أن الزوجة نازعتهم في ذلك و رفعت أمرها إلى عمر ابن الخطاب فقضى لها بنصف المال ثم بالإرث للباقي فقد نظر إليها باعتبارها عاملة و شريكة لزوجها فحكم لها بالنصف في رأس المال ثم نظر إليها باعتبارها وارثة فأعطاها نصيبها من التركة المتبقية . فمفهوم حق الكد و السعاية يتعلق بالشراكة و ليس بالميراث فعمر لم يخالف التفصيل القرآني أبدا وما ورد في التقرير من أن عمر كانت له جرأة مخالفة النص القرآني هو أمر باطل الغاية منه توظيف أحداث لا علاقة لها بمسألة الميراث لإثبات جواز الاجتهاد في نص قطعي الدلالة حيث قرر الفقهاء بأن لا اجتهاد فيه , انه بكل بساطة محاولة لتحريف احكام القرآن وهذا ما وصل إليه أصحاب التقرير عندما قالوا (يمكننا القول بأنَّ مسائل الإرث إجتهادية بامتياز...)

القول في العوْل  

إن مسألة العوْل هي مسألة متعلّقة بكيفية تنفيذ الحكم في حالة تزاحم الورثة دون أن يحصل حيف في نصيب كل واحد منهم و من المعلوم أن نصيب الورثة يختلف باختلاف قرابتهم و صلتهم بالميت و لذلك ضبط الشرع نصيب كل وارث بعدد كسري مثل النصف و الثلث و الربع و غيرها و هي عبارة عن أرقام قد تحصل استحالة القسمة خاصة إذا التقت اعداد اوَّلية و من هنا اتبع عمر ابن الخطاب طريقة توحيد مقامات الكسور ليسهل التقسيم و إن استحال العثور على مقام واحد يجمع الكسور قام بإضافة عدد للحالات التي يكون فيها المقام عددا أوَّليا مثل السبعة  وهذا هو أصل العوْل في الحساب.

كل هذه المسائل وقعت إثارتها في المقدّمة الثانية طيلة 21 صفحة قبل الوصول إلى معالجة مسألة الحريات التي هي جوهر التقرير

الجزء الأوّل في الحقوق و الحريات الفردية

انطلاقا من تحديد معنى الحرية و اعتمادا على المراجع القانونية و الفلسفية الفرنسية أساسا فإنه لا يمكن إلا الوصول إلى النتائج التي وصلت إليها اللجنة لأنّ هذا التحديد هو بمثابة ضبط المرجع الذي سيقع فيه البحث وكانت المراجع الإسلامية غائبة تماما فهل هذا يعني أن المسلمين الأوائل و التوابع لم يعالجوا هذا الموضوع ؟ أم أن ضبط المرجع مقصود حتّى لكأنّ مفهوم الحرية لا وجود له إلا في قانون الجمهورية الفرنسية

بدء يجب أن نفرّق بين الحريات الفردية و الحقوق الفردية فمفهوم حقوق الإنسان الفردية هو قبل كل شيء مفهوم فلسفي مفاده أن كل إنسان له حقوق  غير قابلة بطبيعتها للإعتداء عليها و تهميشها ، بغض النظر عن قانون الدولة التي يعيش فيها الفرد. ولذلك ، قبل أن يكون لها أساس قانوني ، فإن حقوق الإنسان لها أساس فلسفي وتمثل الحقوق الطبيعية التي يكتسبها كل إنسان بمجرد ولادته مثل حقّ الحياة وغيره.

وأما مفهوم الحريات الفردية

كان من المفروض أن يقع الانطلاق من مجموعة الحقوق التي ضبطها دستور البلاد الجديد و التي يجب على الدولة ان ترعاها و تسهر على تطبيقها وما كان على اللجنة أن تنظر اصلا في مفهوم جديد للحرية و للحقوق وتحاول ان تضبطه في مدوّنة غير الدستور فكيف سيقع تطبيقها ؟ وترقى إلى مرتبة الدستور فيحكّمه القضاة ويصدرون الأحكام من خلاله فيكون بمثابة مجلة الاحوال الشخصية الثانية ؟

سوف لن نطيل في المراجع الغربية المعتمدة لأنَّ في ذلك دخول في متاهات فلسفية وضياع الحق بين تعدد التعاريف ولكن سنركز على الاستنتاجات المخالفة لشرع الله فذلك همُّنا وغايتنا

عقوبة الاعدام:

الشريعة الإسلامية أوجبت القصاص على القاتل العمد، وهذا مقتضى العدل قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشورى/40، وقال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة/194. 

إلا أنها فتحت الباب واسعاً أمام إسقاط هذه العقوبة، فجعلت لأولياء المقتول الحق في إسقاط هذه العقوبة مقابل الدية الشرعية، وبدون مقابل، بل إن المقرر لدى الفقهاء أنه إذا عفا أحد أولياء المقتول سقط القصاص، قال صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ اليَوْمِ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَأْخُذُوا العَقْلَ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.  

ورغبت الشريعة في العفو كما قال الله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/178. 

وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد خففت من القصاص إلى أبعد مدى ممكن عندما جعلت الأمر موكولا إلى أهل المقتول وأما الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام بالكلية فإنه من باب الرأفة بالمجرم، والقسوة على القتيل وذويه، وعلى المجتمع عموما كما أنه يضطر الناس لاستيفاء القصاص بأنفسهم، وفي هذا تجاوز للسلطات العامة، ونشر للفساد في الأرض، واضطراب في الأمن.

فعقوبة الاعدام لا يمكن أن نعُدَّها اعتداء على الحريّة الشخصيّة لأنَّها لا تشمل إلا عددا محدودا جدا من المواطنين من ناحية و من ناحية أخرى لم تسلّطها الدّولة على المحكوم عليه بل سلّطها هو بنفسه ما دام يعرف أنّ ما سيقدم عليه نهايته الإعدام إضافة إلى ذلك يعتبر القصاص حقا لأطراف متضرّرة وإلغاؤه يعني التّعدي على حقوق جماعة والتّضحية بها لصالح فرد واحد وهذا الوضع لا يستقيم في اعتباره حريّة تصرُّف و حقوق فردية

جدول بالحريات التي عرّجت عليها اللجنة بالذكر جون سواها وشرعيتها في الإسلام وفي الدستور  

المادة

الشرعية القانونية

الشرعية الاسلامية

الملاحظة

ـ 1 ) الحق في الحياة

ـ حكم الإعدام

ـ الحق في الانتحار

ـ مساعدة شخص على الانتحار

ـ مضمون

ـ له حق شفعة الرئيس

ـ ....

ــ مشاركة في الجريمة

ـ مضمون

ـ قاتل العمد يخضع للقصاص

ـــ محرَّم شرعا و الانتحار ليس حقّا بل هو اعتداء على حقّ الجسد الغريزي في البقاء

ـ جريمة لا تقل مسؤولية عن قتل العمد

ـ إثارة هامشية غير مجدية

ـ القصاص حق الجماعة المتضررة تتصرف فيه وليس حق الدولة

ـ ليس هناك عقوبة دنياوية و أمره موكول إلى الله

ـ يخضع للقصاص وإن كانت مجموعة مشاركة و الدولة مسؤولة

ـ 2) الحق في الكرامة وفي الحرمة الجسدية

ـ التعذيب

ـ المتاجرة بالأعضاء البشرية

ـ تمنعه الدساتير,القانون التونسي يعاقب عليه

ـ ممنوعة قانونا

ـ محرَّم شرعا

ـ محرّمة شرعا

ـ لا يعتبر الحد تعذيبا بل هو قانون جزائي ويشترط فيه التأكد من الجريمة أما ما يمارس من طرف الشرطة في مراكز الإيقاف من اعتداءات غلى الحرمة الجسدية فالشرع لا يحلله (انظر نهي عمر ابن عبد العزيز عن اسعتعمال التعذيب لانتزاع الاعتراف بالجرم)

ـ ليس هناك قانون يحللها فإثارتها تخمة فكرية في مجتمعنا

3 ) الحق في الأمان و في الحرية

ـ الحق في الحرية و منع الإيقاف التعسُّفي

ـ مضمون

ـ لا يُؤخذ الانسان بالشُبهة

ـ كان بورقيبة ثم بن علي يحاكمان المعارضين بتهمة الظن و التّفكير في الانقلاب رغم ما نص عليه دستور 1955 فالقضية ليست قانونية بقدر ما هي سياسية وعليه وجب النظر في أخلاق الحاكم.

4) حرية الفكر و المعتقد و الضّمير

ـ حماية المقدسات :

ـ مسألة التكفيرباعتباره اعتداء على حريّة المعتقد

ـ يضمنه الدستور

ـ يمنعها الدستور

ـ ليس أبلغ من (لا إكراه في الدّين..)

ـ لا تجوز شرعا

ـ حرية المعتقد لا يعطي المخالف الحقّ في المساس بمعتقدات الشعب

ـ من غرائب التقرير قولهم&تجريم التكفير بشكل مستقل على نحويظهر أركان الجريمة بوضوحوهي وجود:تدخل في أمور تهمّ دين الغير& ص38

التقرير جريمة حسب هذا المطلب مادام الذي يخوضون فيه من عقائد غير اسلامية.

5 ) حريّة الفنون والحريّات الآكاديمية

ـ يكفلها الدستور

ـ كل ابداع مرحب به ما لم يمسّ جوهر العقيدة فيكون بمثابة الدّعوة إلى الكراهية وبثّ الفتنة في صفوف الشعب الواحد

ـ لا ضرر و لا ضرار

ـ ما لم يشكّل الإبداع الفنّي اعتداء على أشخاص في أعراضهم أو عقائدهم أو ممتلكاتهم أو أرواحهم فإنّه مضمون شرعا وقانونا ولكن  إذا لم تقم الدّولة بواجب الحماية فإنّ المعتدى عليهم يدافعون عن أنفسهم وهذا تجاوب طبيعي في الحركة الاجتماعية

يجب على حرية الابداع أن تتماشى مع حريّة الفكر و المعتقد و الضمير ومع عدم التّدخل في معتقدات الآخرين .

وما تدعو إليه اللجنة من ضرورة التنصيص على قوانين زاجرة يجب ان يتعلّق ذلك الزجر بالمبدع و بالمعتدي حسب قاعدة لا ضرر و لا ضرار

ملاحظة : 1) ورد في المطلب 11 حرية الفنون و الحريات الاكاديمية &منع التّعرض لحرية العلوم و الحريات الآكاديمية وتقييدها و تعطيلها و إبطالها بأي شكل و تحت أي عنوان سياسيا كان أو إيديولوجيا أو أخلاقيا أو دينيّا& ص 49 وهذا في حدّ ذاته تقنين للدكتاتورية الثقافية وتمهيد لفرض ضرب من الثقافة التي يحرّم على المواطن العادي المسّ بها وصولا إلى حمل النّاس على تقديس الانتاج الفكري الشّاذ تحت اسم الحرية الفردية وهو يتماشى مع قول فرعون (لا أريكم إلاّ ما أرى و لا أهديكم إلاّ سبيل الرشاد ) إنَّه تناقض جوهري مع ما تطالب به اللجنة من حريات فردية

لا يخفى على أحد أنّ اللجنة تسعى إلى تكميم أفواه المواطنين العاديين أمام انحرافات بعض المثقفين اليساريين في ما يسمونه ابداعات فنيّة تسخر في جوهرها من عقيدة الشعب فمن الطبيعي أن الضغط يولد الإنفجار ,دون تبرير العنف 2) القول في (Disposition descriptive et non prescriptive  )

وردت هذه العبارة كما هي باللغة الفرنسيّة عند الحديث عن مصادقة أعضاء المجلس التأسيسي على البند الأول من الدستور الجديد والعبارة تشير إلى عدم حضور مختلف التيارات العقائدية بما في ذلك من لا دين لهم في التصويت على هذا البند و لذلك فهو لا يمثّلهم بل و يعتبر معاديا لهم و مخلا بحريّتهم الدينية وهي فكرة ترمي إلى اعتبار الدين الاسلامي ليس دين الشعب و لا دين الدولة بل هو كسائر الاديان الموجودة في البلاد وبالتالي فإن التصرفات التي ينهى عنها الاسلام لا علاقة لها بتونس عموما ؟؟؟

خاتمة

إنَ أقل ما يمكن قوله في هذا التقرير أنَّه يدعو إلى الاخلال بالتطور الديناميكي للمجتمع , إنَّه يعمل على كسر مركز النَّواة الذي عليه الحركة الاجتماعية لتونس لأنه ببساطة يعالج موضوع شق من المجتمع بمعزل عن الشق الآخر ولا يتناول المجتمع ككل بما فيه من وضعيات اقتصادية  للفئات الاجتماعية المتعددة( أنظر مقالة الاستاذ مهدي قوبعة المنشورة على أعمدة نواة اورج بتاريخ 21 مارس 2011 )  

إنَّ احكام الميراث ليست ذلك الجزء من الآية الذي يظهره المتهافتون و يخفون ما سواه بل إن أحكام الميراث مفصَّلة في أربعة أوضاع أو أكثر منها :

ـ أربع حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل

ـ أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل

ـ أكثر من عشر حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل

ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل

( أنظر مقال الاستاذ محمد عزوق معايير التمايز في الميراث بين الذكر و الانثى : فستجد الحالات بالتفصيل الممل )

والعجيب أن يذكّر التقرير بهذه الحالات و لكنَّه يفضّل التركيز على نصف الآية التي لا تخصُّ إلاّ أربعة حالات ويبقى الأمر غامضا كما ذكرنا سلفا..

تعليقات