سنوات صحبة الأستاذ (11)

بقلم : محمد المي

قصة كتاب البعث

لهذا الكتاب قصة وتاريخ يجهلها العديد لأن الاستاذ كرو لم يكتبها ولكنه حدثني عنها بتفاصيلها المملة وأهداني جميع أعداد السلسلة وهي اليوم في حكم النادرة  والمفقودة فضلا عن منشورات السلسلة وهداياها ومعلقاتها الإشهارية. الخ
وأعتقد أنها هامة لا في مسيرة الاستاذ كرو فقط بل :

حركة الطباعة والنشر في تونس

والصراع البورقيبي ضد العروبيين غداة تكون دولة الاستقلال

قضى الاستاذ كرو أربع سنوات في بغداد من 1948 إلى 1952 وهناك درس مع السياب ونازك الملائكة والبياتي وبلند الحيدري ولميعة عباس عمارة وكاظم جواد وعبد الواحد لؤلؤة وعبد الرزاق عبد الواحد ...الخ وقد توج سنوات الدراسة تلك بالحصول على الاجازة في الآداب العربية غير أنه لم يكنف بالتحصيل العلمي بل ألف ثلاثة كتب هي:

ماي شهر الدماء والدموع في المغرب العربي طبع في بغداد سنة 1951

الشابي : حياته وشعره طبع في بيروت سنة 1952

كفاح وحب طبع في بيروت سنة 1952

وقد حدثني الدكتور علي الشابي عندما كان رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى في مكتبه بالقصبة فقال : عندما وصلنا كتاب الشابي الذي ألفه الاستاذ كرو كنا نقف أمام مكتبة صليبا في نهج فرنسا في طابور طويل حتى نظفر بنسخة منه لأن حركة النشر شحيحة وكنا متعطشين لمعرفة الشابي فإذا بكتاب كامل عنه يأتينا من بيروت ومؤلفه تونسي؟!

لم يؤلف الاستاذ قبل عودته إلى تونس هذه الكتب فقط بل أضاف إليها كتابين آخرين هما :

حصاد القلم وطبع في القاهرة سنة 1954

كفاح الشابي أو الشعب والوطنية في شعره وطبع في بيروت سنة 1954
عاد على إثرها إلى تونس محملا بخمسة كتب وزوجة لبنانية هي أستاذة التاريخ المعاصر السيدة مديحة مشرفية - أطال الله في عمرها -

ومن يعرف واقع النشر في بلادنا في منتصف الخمسينيات يدرك دون عناء أن الرجل قام بمعجزة فالنشر عندنا عزيز وحركة الطباعة كسولة إذ البلاد ترزح تحت نير الاستعمار ولا توجد فيها سوى مجلة أدبية واحدة متعثرة الصدور هي الأخرى وهي مجلة الندوة

والحركة الثقافية تكاد تنعدم لولا بعض الأندية والجمعيات الثقافية كنادي جمعية قدماء الصادقية ونادي القلم ورابطة القلم الجديد ...الخ لذلك كانت عودة الاستاذ كرو حدثا ثقافيا فقد بادر نادي القلم بتكريمه وشارك في التكريم نخبة من أدباء تلك المرحلة منهم :

محمد العروسي المطوي وزين العابدين السنوسي والدكتور الطاهر الخميري والجيلاني بلحاج يحيي ومحمد المرزوقي  ...الخ ومنح العضوية في نادي القلم على إثر التكريم وأصبح أحد أعضائه العاملين.

اقترح الاستاذ في إحدى جلسات نادي القلم أن يتم إصدار مجلة شهرية وكتاب شهري ولتشجيع المشروع ينخرط أعضاء النادي بالمال والكتابة في المشروعين

اختار محمد مزالي أن يصدر مجلة الفكر
واختار الاستاذ أن يصدر كتاب الشهر الذي وسمه بكتاب " البعث "

وقد صدر العدد الأول من الكتاب ومن المجلة في الشهر نفسه اي أكتوبر 1955
فكانا كفرسي رهان ومن طرائف الأمور
أن كتاب البعث توقف في الحلقة 31
وان مجلة الفكر توقفت في العدد 310
وهنا مربط الفرس كما يقال وهو منطلق القصة وبداية الحكاية

تعليقات