سنوات صحبة الأستاذ (19)

بقلم : محمد المي

السندباد العربي :

كان الأستاذ عروبيا إلى حد النخاع وله في كل بلد عربي _ تقريبا _ علاقات وصداقات ولا يكاد يميز بلدا عربيا عن آخر وان كان يشبه العالم العربي برقعة الشطرنج إذ يقول لي : لو تأملت جيدا في حالنا كعرب لوجدتنا كرقعة الشطرنج : بلد مضيء وبلد مظلم .
موريتانيا بلد مظلم بالتخلف والجهل وانعدام التنمية
المغرب بلد مضيء بالإنجازات والتقدم المعرفي
وهكذا ...إلى نهاية آخر بلد عربي .

يعرف المنطقة العربية معرفة جيدة من حيث عاداتها وتقاليدها وأسماء مدنها وأهم مكتباتها وأبرز أعلامها بل عاش في العديد منها بعض سنوات عمره فقد قضى :
أربع سنوات في العراق
سنتين في القاهرة
ثلاث سنوات في ليبيا

وكان يتردد على بيروت والمغرب ويستقر فيها أشهرا ليعاود الرجوع إليهما لذلك فإنه يتحدث عن هذه البلدان باطناب ويصف شوارعها ومقاهيها ومطاعمها وحتى عادات أهلها في البيوتات كل ذلك جاء نتيجة أسفاره المتكررة والمتعددة التي لم تنته إلا عندما أصبح عاجزا عن الحركة تماما.

ولع بالسفر فتعلم الكثير منه واكتسب عادات عديد الدول بل إن لهجته تأثرت بلهجات الدول التي سافر إليها فتجد بين كلماته كلمة لبنانية وأخرى مغربية أو مصرية.

وكان إذا احس بالضيق يقرر السفر وقد استفدت من علاقاته في الخارج والى اليوم فإني إذا سافرت إلى طنجة فلا بد لي أن اتعهد صداقات الاستاذ فأسأل عن أحمد الطريق احمد وعبد الصمد العشاب رحمه الله القائم على أمر مكتبة عبد الله قنون وإذا سافرت إلى القاهرة لا بد أن اهاتف وديع فلسطين أطال الله في عمره وإذا سافرت إلى طرابلس الغرب لا بد أن أسأل عن عبد الله سالم مليطان وعلي مصطفى المصراتي شفاه الله واذكر اني في أول رحلة لي إلى الكويت تلقيت هاتفا من الشاعر الكبير فاضل خلف والى اليوم اذا جاء العراقي ماجد صالح السامرائي لا بد أن التقيه وكأني اؤدي واجبا عوضا عن الاستاذ الذي كان يصر على استقبال أصدقائه في مجالسه الأدبية أو منزله.

عندما سافرت إلى القاهرة أوصاني بضرورة الالتقاء بوديع فلسطين الذي ما أن هاتفه حتى قال لي : اذكر اسم النزل الذي تقيم فيه وسأكون عندك على الساعة كذا وقد فوجئت بان محدثي يأتي في الساعة والدقيقة وأكاد اقول الثانية رغم تقدمه في السن فقط ليتعرف إلي ويبلغني سلامه إلى الأستاذ.

وعندما توفي الاستاذ بلغني احتجاج احمد الطريبق احمد على عدم الاتصال به لاعلامه. .

هكذا هي علاقات الرجل متنوعة ومتشعبة بل إنه كان حريصا عليها حتى آخر حياته إذ يرسل مؤلفاته إليهم واحدا واحدا وله رسائل معهم مثل البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد وهلال ناجي ولميعة عباس عمارة وشوفي ضيف وجابر عصفور وعزالدين اسماعيل ووديع فلسطين وعباس الطرابيلي وعبد الكريم غلاب وعلال الفاسي ومحمد بن شريفة ونجاة المريني وعبد الله قنون ومحمد المنوني وخليفة التليسي وعلي مصطفى المصراتي وعلي فهمي خشيم ومحمد مسعود جبران وعمار جحيدر وعبد المالك مرتاض وعبد العزيز السريع وعبد العزيز المقالح وزكي جابر الأنصاري وفاضل خلف ...الخ .

وقد نشر بعض الرسائل في الملحق الثقافي لجريدة الحرية وهي تقدر بآلالاف
فيها ماهو اخواني وفيها ماهو ادبي فكري يتصل بقضايا وأحداث جدت في زمن من الأزمان.

وقد حظيت بشرف الاطلاع على العديد من تلك الرسائل ونصحته بضرورة نشرها لما لها من أهمية وثائقية ومعرفية قد يراها هو قليلة الفائدة ولكنها تصلح لاضاءة فكرة أو معلومة وقد تقود إلى بحث ...الخ .

وليست الرسائل فقط هي التي جناها من علاقاته وأسفاره بل عديد الصور التي جمعته بأعلام وعلماء وكتاب مشهورين ومعروفين وسعت من دائرة علاقاته وزادت في أشعاعه خارج الحدود فتمكن من أن يكون :

عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية في القاهرة
عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية في الاردن
عضوا مراسلا للمجمع العلمي العراقي
عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية بدمشق

هذا الإشعاع اكتسبه على مدى سنوات من العمل والعطاء والتأليف فضلا عن روح الانتماء للعروبة والإيمان بضرورة توحد العرب وقد كان ناقما ساخطا على الحكام العرب كارها لسياساتهم ولم ينتسب لأي حزب من الأحزاب السياسية سوى حزب البعث الذي ساهم في تأسيسه والفصل عنه منذ بداية ستينيات القرن العشرين وكان يسخر من البعثين العراقي والسوري ولا يحب قائدي البلدين.

تعليقات