سنوات صحبة الأستاذ (9)

قلم : محمد المي

أما شدته مع نفسه فتتضح في احترامه المبالغ فيه للمواعيد التي يقيد بها نفسه والى التزاماته التي يختارها ؛ فحياته مثل الجندي الملتزم بتنفيذ التعليمات بدقة إلى درجة لا يتصورها العقل فهو يلح على مسائل بسيطة في ظاهرها ولكنها عميقة في مدلولاتها.

فتراه إذا جلس يحدد طريقة جلسته كأن لا يضع الساق على الساق إذا جلس ليحادث شخصا ، ولا تعبث أصابعه بقلم أو ورقة إذا كان بصدد محادثة شخص،  وهو يصر على - بروتوكولات - إذا دعا ضيفا إلى مجلسه في المقهى أو في منزله.

وإذا كلفني بإرسال رسالة فإنه يختار ظرفها وطرق كتابة المرسل إليه والصفات التي تسبق اسم من يرسل إليه واختيار الزاوية التي يكتب فيها عبارة شخصي أو مستعجل أو خاص أو سري إلى غير ذلك من التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه إليها الإنسان العادي أو لا يأبه بها حتى من يعرفها .

فتراه جد ملتزم بالرد على رسالة فور وصولها وكان دائما يردد على مسامعي وهو يصرخ : لا تؤجل عمل اليوم الى غد ...وامصابي من غد إذا أقبل ذلك شعاره في العمل مع حرصه الدائم على السرعة في الإنجاز والدقة في العمل.

ورغم شدته تلك فإن هناك جانبا مرحا في شخصيته فهو يحب النكتة بل يحفظ منها الشئ الكثير وهو يقدر على تحويل وجهة مجالسيه كيفما يشاء فينتقل بهم من اللهو إلى الجد إذا اختار ويقيدهم بطرق في السماع أو في الحديث حسب مزاجه.

ومن الصعب أن تعرف فيما يفكر أو عم يتحدث أو ماينوي من خلال سؤال طرحه وكثيرا مايردد على سامعيه أن لا أحد يقدر أن يعرف عنه إلا مايريد هو أن يعرفه الآخرون.

يعرف معادن الرجال فيقدر هفواتهم ويغفر زلاتهم ويقدر تهافتهم ولكن يحفظ في ذاكرته عنهم كل شيء إلى درجة تجعلني استغرب من طرق محادثته لمن حدثني عنهم فأسأله فيقول : في فمي ماء

هو لائكي النزعة ولكنه جد متشبع بقيم العروبة والإسلام وهو يرى أن الإسلام جاء بفضائل كثيرة ولكن المسلمين انحرفوا عن تلك القيم وفهموا الإسلام  فهما خاطئا فمالت أمورهم وتأخرت دولهم وألبسوا الإسلام تخلفهم وجهلهم فكثيرا ما كان يجاهر بآراء تزعج الخاملين ولكن إذا تأملنا في مقاصده  نفهم عقلانية الرجل وبعد نظره.

تعليقات