الوداع

الوداع 

 
بقلم : منذر العيني

كأنَّ الوداعَ يهيّءُ سرَّهُ من فمِ الأسمرِ البدويِّ .

جئنا على غفلةٍ من جحيمِ الإقامةِ في حممِ اللّيلِ .

نرتادُ أبخرةَ البحرِ مُحتدميْنِ كعادتنا في نثارِ المساراتِ

وها نحنُ نرحلُ خلفَ مزيدٍ مِنَ التّيهِ .

كنتَ تُدخّنُ سيجارةً تلوَ أُخرى تقولُ

" دخاني غبارُ القرابينِ لآمرأةٍ صلبتْ نفسها دونَ إذنْ ".

وكنتَ تُنبِّهني نحوَ حشرجةِ الصّمتِ وهيَ تحلُّ مع الموتِ دونَ دخانْ .

هو اللّيلُ يا صاحبي لاتقلْ :" لم يعدْ منذُ آفترقنا غيرَ الطّريق قد صارَ يكفي ...

طريقي طريقكَ نحفنُ منهُ تعاويذَ غدوتنا،

 بسمةَ الماءِ من نظرةِ الحبِّ في وجهِ علياءَ،

وقعَ الطّفولةِ من أُمّهاتِ على شفةِ القبرِ.

سرَّ الفتى الدّمويّ في رحلة العمر.ِ

صمتَ الأبِ السّابحِ الآنَ في لججِ السّردِ. يحكي حكاياهُ للظلِّ :

"كانتْ على سُدّةِ الدّربِ أُغنيةٌ كنتُ مُسمِعَها للرّفاقِ الذّينَ تناهوْا إلى اليمِّ كانتْ تقولُ مقاماتِ جِيئتنا من شُروقِ البداياتِ نحوَ غروبٍ عزائيٍّ بلا دمعَةٍ أو كلامْ

و كانتْ تُمجّدُ أسلافنا من صعيدِ الإِجيبْتْ ومن فلواتِ الطّريقِ إلى القيروانِ ".

طريقي طريقكَ

مُستأنفًا سيرتي أقصِدُ اللّهَ

يعرفني الماءُ والصّخرُ يشتاقني على عتباتِ "سِويسْ"

و"بَرْكهْ" و ماشابهَ الوجهَ والغرباءْ  

 ستعرفُ أنّي أناكَ تُحرّضُ فعلَ التنبُّؤِ كي تستعيدَ غناءَ القوافلِ للشّمسِ

تدفنُ موتتها في الصّقيعِ الملوّنِ سطحَ المقابرِ

في عزلةٍ مفتوحةٍ كمزارِ على منحنى أو كثيبْ ... 

طريقي طريقكَ.

لا تنزعجْ من هتافِ المغاورِ حينَ تمرُّ بها أو بأرواحنا

في عواءِ التباريحِ. أشعلْ نزيفكَ لا تطلُب المغفرهْ

و آقتُلِ اللّيلَ مُتّحِدًا بِ"إيزيسْ " العظيمْ .

هنا الطّينُ كوّرني طائرًا يبعثُ الرّعبَ

 يطلعُ من جهةٍ لا نهائيّةٍ تهزمُ الموتَ حينَ يطلُّ من الغيبِ .

لا تنزعجْ ممّا يُقالْ.

لقد غنّت العتباتُ لُهاثكَ

فآغسِلْ غباركَ بالماءِ

صفّقْ بكفيكَ سبعًا

وذُقْ شايَ دربكَ .

منفاكَ لمسةُ ضوءٍ على وجهنا

ورحيلُكَ آمرأةٌ تتراقصُ في مهرجانِ "باخوسْ".

فكن سيرتي وآرحلِ الآنَ دونَ وداعْ ............................................................

تعليقات