عبد السلام أزدام : في أجسامي نفحة أفلاطونية غير مثالية

 حوار مع التشكيلي المغربي عبد السلام أزدام           

السؤال الاول: تراوح في أعمالك بين النحت والرسم والتشكيل
هل تبحث عن نفسك؟  ام ان هواجسك تحتاج إلى أكثر من اختصاص حتى تستوعبها؟

بالفعل كتشكيلي أشتغل في حقل الفنون البصرية عبر أشكال تعبيرية متعددة. من الثصوير الصباغي والنحت والتنصيب (الأنستلايشن). لا يوجد أي مبرر لكي لا اشتغل بأشكال تعبيرية مختلفة ما دمت أرتاح في هذا لصنف أو ذاك ولا توجد قاعدة في مجال الإبداع تلزمني أو تلزم الفنان عموما بالاقتصار على جنس تعبيري واحد.. بل إني في غالب الأحيان أشتغل في محترفي سواء على الثصوير والنحت والتنصيب بشكل منفرد أو بشكل يجمع بين كل هذه الاصناق في الآن نفسه. وبما أن العمل فيه كثير من الجهد، فالانتقال من النحت إلى التنصيب أو القماش أو الورق المعلوك... فإنه بالنسبة لي نوع من الاستراحة. علما أن التصوير الصباغي هو الأقل تعبا حينما لا يكون مرتبطا  بالورق المعلوك المضني كثيرا في تهيئيه والاشتغال عليه.

يروقني كثيرا أن أشتغل على المادة كما هو الحال في استمتاعي بالاشغال على الشكل واللون، لكن في الثصوير الصباغي تنقصني المادة أحيانا، لذا اشتغل على الورق المعلوك أو اشتغل على التنصيب أو على الصلصال الصناعى le grès industriel chamotté.

 بالطبع الاشتغال على التنصيب وعلى النحت مكلف جدا ويعرف أعباء جمة ولكن –للأسف- لا يلقى اقبالا كما يجب، ولأن المقتني –الرئيسي- والذي عليه الاهتمام بالأعمال النحتية أو للفن المعاصر هي الدولة والمؤسسات المالية والاستثمارية في مجالات الثقافة والسياحة والتجزيئات العمرانية ومؤسسات الدولة، لكن –للأسف- فهذه الجهات ما زالت لا تربط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالصناعة الثقافية ودعم الفنون من أجل المواطنة وحب الانتماء للمُلـك الاستيتقي العمومي.

السؤال الثاني : على أهمية الرأس في الجسد وبالنسبة إلى الإنسان فإنك تختار دائما أن ترسمه أو تنحته في صيغة ضئيلة ومائلة هل يعكس موقفا لديك فلسفيا من خلال جعل الرأس على هذه الشاكلة؟

2 – أنا منذ أن اشتغلت كهاو في السبعينات من القرن السابق اخترت أو وجدت نفسي مرتاحا في الاشتغال على الجزء العلوي من الجسم  حيث العقل والقلب أو الأدوات المعرفية بالنسبة للفلسفة وبالنسبة للصوفية ولا أشتغل على الجسم في كليته إلا نادرا بعيدا عن كل الايحالات الايروتكية والشهوانية وكأن أجسامي فيها نفحة من أفلاطونية غير مثالية. والجسم بدوره جسم كوني بالمعنى الفلسفي دون إحالات تاريخية، إقليمية أو جغرافية باستثناء الايحالات بعناوين لشخصيات خدمت الفكر والفن الانسانيين بشكل عام.

بما أني لا أشتغل على تفاصيل الجسم أو الوجه فالأمر راجع لأن ما يشكل همي التشكيلي هو الفكر أو أشتغل على الفكرة، لذا فوضعيات الرأس, استقامة أو ميلانا هي محاولة للقبض على أحوال نفسية أو قلبية أو عاطفية من تبصر أو شرود ودهشة، تعقل أوغضب، تأمل أونكوص. تشخيصا لقضايا موسومة بالتجريد تضاف إليها أشكال هندسية أقليدية جهة القلب أو صوبه، ترميزا لما اشتغل عليه الفلاسفة والحكماء في ملاحقتهم لسرابية الحقيقة وخلقهم لكائنات رياضة تشكل أهم الرموز التي بها نشأ العلم, وأجسامي هى نوعا ما احتفاء بهؤلاء الذين تميل رؤوسهم...

السؤال الثالث : في المغرب هناك مدرسة الدار البيضاء ومدرسة تطوان فإلى اي مدرسة تنتمي؟

3- في الواقع لا أرى أهمية في الرجوع لسجال قديم في المغرب بصدد وجود تنافر أو عدم تناغم بين ما سمي بالتيار التشخيصي والتيار التجريدي وقد يضاف تيار ثالث نُعث بالساذج أو الفطري. عرفت  هذه الوضعية فعلا سجالا لمدة عقود وكان مرد ذلك أولا وجود حركة تقدمية كانت تريد إحداث قطيعة استيتيقية مع الموروث البصري الكولونيالي وخلق توجه جديد يستقي من التراث المحلي و العربي والإفريقي وكما قطع الطريق على الفن &العفوي& الذي أراد المعمر أن يجعل منه الفن الممثل الوحيد للمغرب بصريا.

لكن هذا السجال سيتلطف ويخفت ضجيجه وستنقص حدته لأن بعض ممن شخصوا في أعمالهم &عفويا& كالشعيبة مثلا فرضوا أنفسهم وبعض خريجي مدرسة تطوان ابدعوا تجريديا وبعض خريجي مدرسة الدار البيضاء استقوا من تجارب غربية بشكل جلي بل بتكرارية واضحة  بالنسبة لنقاد غير دالتونيين خلافا لما رفع بعض الأوائل كشعاراث مفارقة للواقع التشكيلي المنجز في أعمالهم. بالمجمل في رأيي هذا النقاش أصبح اليوم متجاوزا بالمغرب الأقصى.

أما عن انتمائي فأنا لن أقر بانتمائي لأي من تلك  الجهات. عملي هو نوع من تشخيص الفكر مجردا وتجريد الجسم المشخص وفي نفس الوقت فمشروعي التشكيلي يمضي لمحاولة الجمع بين التصوير الصباغي والنحت ولما لا التنصيب في عمل واحد وإلغاء الحدود بين هذه اللأشكال التعبيرية للتشكيل كجنس فني.

وفي اعتقادي ان مسألة التصنيف ضمن خانة ما هي من تخصيص من يكب عن الن نقدا او تأريخا دون ان يلغي هذا الالتزام باتجاه محدد والتصريح بدالك عفويا او في بيان كما كان الأمر بداية القرن الماضي في أروبا

السؤال الرابع : ظل الفن التشكيلي يعاني من التبعية للغرب رغم وجود عدة اسماء هامة عربية منذ خمسينيات القرن العشرين فمتى يتحرر من هذه التبعية؟
وماهو رايك في الفن المعاصر؟

5-4-  أولا التشكيل كفن بصري هو عملية تثاقف (  ‘(acculturation   بالطبع حدث هذا بفعل دخول الاستعمار إلى شمال إفريقيا وبهذا التدخل سيتغير نمط عيش سكان تونس والجزائر والمغرب الأقصى بنيويا بما في ذلك اللغة وإدارة الدولة بجميع مرافقها في القضاء والصحة والتدريس والإعلام واللباس والأكل.. وتبعا لذلك الثقافة والفن. وجل الفنانين الأوائل درسوا بأوروبا والكل اليوم يحلم بولوج أروقة بمدريد أو باريس أو لندن أو فيينا خاصة لأن الأكثر تألقا هو من تعرض أعماله هناك أو في موسكو أو الصين كما هو رائج.... لدى وجب أن يكون المنجز التشكيلي يحظى بالقبول في أرض ليست بوطن المبدع مثلما نرى بالنسبة لمن يتألقون في كرة القدم- مع الأسف ليس ببلدانهم- وفي مجال الفنون البصرية الأمر أهون ،لأن اللاعب يتألق أولا بقدراته الفردية ولياقته البدنية . أما الفنان المعاصر اليوم يشكل حلقة صغيرة في مساره الفني الذي لا يعلو إلا بتدخل فاعلين أقوياء لهم قوة الحضور كشركات اشهارية ومؤسسات مالية وبنكية ورواقيين وجماعين ومضاربين في المزاد العلني للتحف الفنية ومدراء متاحف... يصعب الحديث عن تبعية او عدم تبعية في هذا المجال خاصة مع الفن المعاصر... في القرن الماضي كان الفنان شبيه بالصانع التقليدي.يقتني القماش و يقتني الفراشى و الصباغة  او يخلط المكونات المعدنىية بذاتة لصباغته .... اليوم يمكن للفنان ان يشغل يدا عاملة او شركة حواسب او تقنيين  ولذا أصبح الفنان في بعض الحالات قوة اقتراحية بمعية طاقم من الفاعيلن وبدعم من ممول أشبه بالمنتج السينملئى  وهذا ما يجعل الفن المعاصرسائرا في طريقه لاحداث قطائع استيتيقية مع صورة الفنان الحديث دون ان يموت هذا الفنان لأنه عالرغم من حدوث قطائع استيتيقية بين الفن الكلاسيكي والحديث والمعاصر فكل هذه البراديغمات الفنية البصرية تتعايش وكل منها لها مقتنوها ..

أجرى الحوار :محمد المي

تعليقات