ثقافة القراءة

بقلم : محمد المي

لا أعتقد أننا نختلف في مسألة تراجع القراءة من عدمها فها هو وزير الشؤون الاجتماعية يؤكد ارتفاع نسبة الأمية في تونس بعد ستة عقود من الاستقلال ومراهنة الدولة منذ تأسيسها على التربية والتعليم .
ومن قبله أكدت اليونسكو على أن التونسي لا يقرأ سوى 12 دقيقة في السنة اي بمعدل 2 ثواني في اليوم ؟ وهي نسب مفزعة .

والسبب  يعود في تقديري إلى انعدام ثقافة القراءة؛  ذلك أن القراءة يجب ان تكتسب ويجب تكون لنا دربة عليها حتى يمكننا الحديث عن القراءة .
لقد رجعت إلى تحديد معنى القراءة في لسان العرب فوقفت على هذا التعريف :

وقال أَبو إِسحق: الَّذي عندي في حقيقة هذا أَنَّ القَرْءَ، في اللغة، الجَمْعُ، وأَنّ قولهم قَرَيْتُ الماء في الحَوْضِ، وإِن كان قد أُلْزِمَ الياءَ، فهو جَمَعـْتُ، وقَرَأْتُ.

إذا تأملنا هذا التعريف نفهم أن القراءة حتى تكون يجب أن تسبق بفعل الجمع اي انه في غياب الجمع لا يمكن أن نتحدث عن القراءة وأول مظهر من مظاهر غياب الجمع عندنا عدم توفر مكتبات داخل البيوتات ولدى الأسر والعائلات التونسية إذ قل إن تعثر على من يمتلك مكتبة في منزله وان توفرت فهي صغيرة الحجم وان توفرت فهي للكتب المذهبة اي للزينة وتمام سلامة الديكور الداخلي للبيت.

إن غياب هذا المظهر العائلي من شأنه أن يعدم ثقافة القراءة فيتربى الطفل الذي هو رجل الغد على جهل القراءة وعلى جفاء الكتاب وأخذ مسافة فاصلة بينه وبين ثقافة القراءة . ذلك أن  العائلة هي الإطار الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويتفتح وعيه الأول على مايبصر وما يرى .

لا نتحدث كذلك عن مكتبات في الأحياء والحارات الشعبية بل عن مكتبة عمومية غالبا ماتكون مقسمة بين الأطفال والكهول وما يمكن ان يجني ذلك التقسيم على الفئتين وغالبا ماتكون تلك المكتبات غير مزودة بآخر الإصدارات وغير متوفرة على المرافق الدنيا التي تؤهلها للترغيب في القراءة ولسنا مجبرين للحديث عن المكتبات داخل الجهات بل يكفي أن ننظر إلى الوضع المزري لمكتبة الديوان أو مكتبة نهج راضية الحداد في قلب العاصمة لنقف على بؤس الوضع وكارثية المشهد القرائي.

ولماذا نضرب الأمثلة بمكتبتات مهترئة متداعية اسقفها للسقوط؟  فمدينة الثقافة لا تتوفر على مكتبة عمومية ومدخلها تنعدم منه صورة الكتاب ولا تتوفر فيها قاعة واحدة المحاضرات والندوات الفكرية بما فيها قاعة صوفي القلي التي تجمعنا فهي قاعة سينما وقع تحويل وجهتها لتكون قاعة محاضرات؟ 

وإذا نظرنا إلى فضاءاتنا العامة التابعة بالنظر إلى الدولة من محطات المسافرين والمستشفيات والإدارات وحتى المدارس الابتدائية والعديد من المعاهد الثانوية فإنها لا تتوفر على مكتبات للمطالعة والقراءة فكيف يمكن الحديث انطلاقا من هذا التوصيف المستعجل للوضع الكارثي للقراءة ام نتحدث عن ثقافة القراءة؟

هاهي ايام قرطاج للفنون التشكيلية وأخرى لسينما وثالثة للمسرح ورابعة لفن العرائس وخامسة للموسيقى وسادسة للرقص وسابعة وثامنة فهل سألتم أنفسكم عن حظ الكتاب في هذه التظاهرات؟  حتى لمجرد عرض الكتب التي تعنى بالفنون التشكيلية أو السينمائية أو المسرحية أو أي كتاب مختص ؟ والحال أن مئات الملايين تصرف لحفلات الشاي والاستقبال وتصرف مثلها للديكور ..الخ

لو استرسلت على هذا النحو التوصيف لما كفتني الدقائق المعدودات المخصصة لهذه المداخلة  التي لن يكتب لها التوثيق والنشر بل سنعود بها في محافظنا كسائر الندوات التي تنظم في جميع الجهات لذلك ساقترح بعض الحلول

الحلول

لا بد من خطة وطنية للنهوض بالكتاب التونسي إذ لا يمكن أن تنهض وزارة الثقافة بهذا العبء وحدها لأن ارتفاع نسبة الأمية لا تعني وزارة الثقافة وحدها بل كل الوزارات معنية بهذا التراجع الذي شهدته تونس بعد ستة عقود من الاستقلال فعلى وزارة التربية أن تفكر في زرع المكتبات قياسا على زرع الألغام إذ لا بد أن تتوفر مكتبات للأطفال في المدارس الابتدائية .

ولا بد للبلديات التي أصبحت تمارس الحكم المحلي أن تنشر المكتبات في الأحياء والحارات الشعبية  وتعتبر الكتاب من متممات التنمية.

وكذا تفعل وزارات الدفاع والصحة والشؤون الاجتماعية والنقل والشباب والرياضة  حتى يكون الكتاب حاضرا بكثافة أينما حل المواطن عسى تكون هذه الخطة ذات جدوى . أو لنقل هي بادرة أولى حتى يتم تعميم ثقافة القراءة فنحن نتحدث عن ثقافة تكتسب بالدربة والمران والإرادة الحق التي تنوي فعلا أن تحقق شيئا.

اختم لأقول أنه لا بد من إعارة الانتباه إلى الإعلام والوعي بضرورة المراهنة عليه وصرف الاعتمادات اللازمة لأنه الأقدر على الترغيب في الكتاب و تعزيز ثقافة القراءة والتنبيه إليها. وربما غياب البرامج الثقافية في مختلف وسائل الإعلام هو الذي ساهم في جفاء الكتاب والابتعاد عن القراءة وهجرها.

تعليقات