العائش

العائش

                                        إلى الصديق "يونس محمد بوعلي " 

 

تعرفهُ الأماكنُ والمقاماتُ القديمةُ .

في حكايتهِ فصولٌ من كتابِ الماءِ

فهرسةُ الحياةِ تُصارعُ الأمواجَ.

يولدُ يونسُ المجدافُ في سَعةٍ

ويكبرُ في الخريفِ فتًى

يناغم رقّةَ الأطيارِ في ألحانها .

كنّا نشدّ على يديه

كيف يُنشِئُ بالفراغِ عمارةً زرقاءَ

يكتبها ويسكنها ويتركها

مزارا للغريبِ ونبضَ أُحجيةٍ .

هو البنّاءُ والحدّادُ والنجّارُ والصّيّادُ والسّقّاءُ  .

كنّا نُرهف الأسماعَ

حين يجادلُ الأوصافَ حولَ الموتِ

إذْ لا شيءَ يحدثُ في الزّمان

بلا مُضيِّ طفولةٍ

ثمّ الشّبابُ يفزُّ مندفعا

ويتلوهُ المشيبُ

كذا القصائدُ من عصافيرِ الشّوارعِ في تواقيتِ الظّهيرةِ

تطلبُ الماءَ

فتظفرُ بالسّرابِ :

حياةُ موتٍ في سرابٍ راقصٍ

إيقاعُ رقرقةٍ في ضياءٍ دامسٍ

الشّيءُ نفسُهُ

ضدّان يقتتلان في ساحةِ المعنى

ثم ينفتحان دائرةً تناقضُ نفسها :

الموتُ من جهةٍ يحصدُ الأرواحَ في دعةٍ

ومن جهةٍ مقابلةٍ حياةٌأو سرابُ قصيدةٍ

تقتاتُ من ظلماتها ضوءا شفيفا

قد نراهُ غدا

فنفسُ الشّيءِ

يحتجُّ الرّفيقُ

ويعتلي سقفَ الحجاجِ:

كبُرتُ في الأزماتِ

كان الصّمتُ أُغنيتي

أسايره حثيثا كي أُصعّدَ من صدايَ

تعرفني أُروبا و الظّلالُ هناكَ

باريسُ العتيقةُ والمقاهي

صُدور الفجرِ في طرقاتها

"السّانُ" حينَ يُزوّجُ الآهاتِ بالآهاتِ في برد الصّقيعِ

أوراقُ الطّريقِ على الطّريقِ تلوّنُ اللّوحاتِ زخرفةً على ممشى الحدائقِ

وأنتَ يُونُسُ نحنُ

نكبرُ في الخريفِ معكْ

نُقاومُ بالرّبابةِ آصفرارَاللّحنِ

نأخذهُ من منابته كسيحا

فنشحذهُ ونُحْييهِ مثلَ الّذي تأتيهِ

حين تُدوّرُ النّغماتِ

أوّلةَ الغرامِ على نغم الصّبابة

ثمّ ثانيةً على وتر الفناءِ

فإنّما الأيّامُ مثلُ السّحابِ

فتعرجُ الأرواح في حديثِ النّفسِ

قصّا ماثلا في مسرح التّوهانِ .

نعرفُ أنّكَ الحاكي

والحكايةُ نفسها

أبطالُها أنت المقيمُ رحيلٍ في مقامِ الصّمتِ

تكرهُ أن تعيدَ بيانَ يومكَ أو تميلَ إلى القناعةِ.

كلُّ شيءِ في النّهايةِ سلّمٌ للشدوِ :

الإنسانُ وهوَ يذوبُ في الأزمانِ .

الحيوانُ يعلكُ قوتهُ بالخوف.

النبتاتُ تعطي خدّها للوقتِ

تكتبهُ و يكتبها .

جمادٌ من عظامِ الأرض يدرسُ كلّما ذابَ المقامُ

وأنتَ يونُسُ نحنُ

نشردُ في البريّةِ

 
 

كي نراكَ مقاوما يا عائشُ

يا فتى

حتّى و إن مُتّ  

أنت هنا على شجر "القُصيبةِ "

تغمس المنقارَ في موروثِ أغنيةٍ

لتطعمها فراخَ الشمسِ

مثل عصفورِ الشّوارع في تواقيتِ الظّهيرةِ

عائشا في الموت وهو يجولُ

وميّتا في فهرس ِالأيّامِ

وهوَ يعيشُ ..........   

تعليقات