قراءة في معرض الفنان نبيل الدريدي

بقلم : محمد المي

25 لوحة متباينة الأحجام،  متنوعة التقنيات،  مختلفة المواضيع جمع بينها اسم الفنان التشكيلي التونسي المقيم بفرنسا نبيل الدريدي.

سبق لنبيل أن عرض في عدة أروقة سواء معارض شخصية أو جماعية في تونس وخارجها وآخر معرض له نظمه منذ سنتين تقريبا في رواق صلاح الدين بسيدي بوسعيد وهاهو يعرض في رواق من أروقة الدولة هذه المرة مكتفيا ب25 لوحة نظرا لعدم تحمل الفضاء أكثر من هذا العدد .

لقد كنت حاضرا في المعرض السابق وعاينت أعماله وهو مايخول لي القول إن معرضه الحالي شهد تنوعا وثراء بل تطورا لأن صاحبه لم يحافظ على اللوحات نفسها بل أضاف إليها جديدا ميزها عن القديم .

لوحات نبيل الدريدي تذكرك بلوحات نجيب بلخوجة من حيث اشتغاله على العمارة الإسلامية مستغلا القباب لتشكيل مشهدية تؤكد خصوصية وتبرز ملمحا يعرف به صاحبه دون أن يحتاج إلى وضع اسمه . غير انك تستطيع في النهاية أن تقول ان نجيب بلخوجة رسم لوحة واحدة وكل لوحاته التالية لها هي تنويع وإعادة تشكيل للوحة الأولى.

أعمال نبيل الدريدي تنطلق من هذا الافتراض الجمالي ولكن لتتقدم خطوة أخرى  وتقدم اقتراحا جماليا جديدا يتمثل في إبراز خصوصية هذه العمارة وذلك بإضافة رموز دينية تتصل بالديانات الثلاث : اليهودية والمسيحية والإسلام كدعوة إلى إمكانية التعايش واحتواء التناقضات والاختلافات الممكنة بما يتيحه الفضاء المستدير القابل للتطويع عكس الفضاءات المستقيمة.

يعمد نبيل الدريدي إلى ملء اللوحة أحيانا ليؤكد الفيض العمراني  الذي لا يسمح سوى بضرورة وجود الحلول والبحث عن الإمكانيات المتاحة فالمدينة هي الفضاء الذي يؤكد اغتراب الإنسان أو التي يمكن للإنسان أن يعرف فيها حجم اغترابه النفسي والثقافي والحضاري .

الفضاء المكتظ الذي لا يجد فيه الإنسان فرصة إلا للتصالح مع ذاته إذ نلاحظ في لوحات نبيل الدريدي غياب الإنسان فهي فضاءات عمرانية أن ظهر فيها الكائن البشري فلا يظهر فيها الا عاريا جالسا من فوق أو حاضنا للفضاء الذي ينبع منه ورغم الحيز الذي يستولي عليه العمران فإن الإنسان إذا ظهر حتى أن كان مفردا أو زوجا،  ذكرا أو أنثى فإن الحضور الإنساني يطغى على المشهد العمراني .

في لوحة أسماها نبيل الدريدي بالعرائسي تظهر يد بشرية تمسك بخيوط تحرك الكل ولا شيء يخرج عن إرادتها أو سيطرتها. الكل يخضع لحركاتها وكأن مايحدث ليس إلا جراء قدر أو مشيئة عليا لا دخل للإنسان فيها .

دلالات متعددة وقراءات مختلفة تجود بها لوحات الدريدي للمتأمل فيها فتأخذك الدلالة إلى التأويل ويقودك التأويل إلى التفلسف الذي يجعلك ترحل في عوالم اللوحة رغما عنك .

عمل فيه أناة وفيه صبر ومحاولة لإيصال فكرة وتكريس هاجس تدل أن صاحبها تسكنه الكثير من الأفكار وأنه ينطلق من قاع معرفي وتحركه هواجس وليس الرسم والتلوين عنده مجرد تسلية أو محاولة لتمتيع الأبصار وسر الناظرين بقدر ما هو موقف حضاري انطولوجي ينطوي على دلالات تعبيرية تتوفر على قصدية .

الفن حينها رسالة ثقافية ، حضارية ، فكرية لا يمكنك التفاعل مع مايقترحه نبيل الدريدي عليك تفاعلا عاديا لمجرد الاستمتاع والتسلية بل تقف موقف المحاور لعمل يزرع القلق بينك وبين نفسك وتلك هي غايته.

المعرض الموجود حاليا برواق القرماسي للفنان التشكيلي التونسي المقيم بفرنسا نبيل الدريدي جدير بالزيارة لأنه إضافة حقيقية للمشهد التشكيلي ببلادنا.


التقاط الصور : مهى المي

تعليقات