الفساد في الأرض

الفساد في الأرض

بقلم : الناصر التومي

   صرح محمود البارودي أحد الشخصيات السياسية في أحد البرامج التلفزية أن البلاد خسرت قيمة خمسين مليارا من المليمات يوم الإضراب العام ليوم الخميس الأسود من شهر نوفمر، ولو صرفت هذه الأموال في بعث المشاريع لكان ذلك أجدر. هذا المبلغ الهام ذهب هباء منثورا، بمعنى أن الشعب بدد في هذا الإضراب أموالا طائلة بلا فائدة، وبذلك أفسد في الأرض ـ مال الله ـ الذي استخلفه لدى شعب تونس لاستثماره والتمتع به وليس من حقه تبذيره بأي حال من الأحوال.
  و أضاف البارودي أن الإضراب نجح بنسبة خمسة وتسعين بالمائة، أي أن هذه النسبة تحدد نسبة الفساد في الشعب التونسي الذي عاضد الإتحاد العام التونسي للشغل وكان السبب في نجاح هذا الإضراب المفسدة حسب شريعتنا الإسلامية إلا من أكره وقلبه رافض لهذا الإضراب.
    الاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وسائل غير شرعية في ديننا الإسلامي حتى لو كانت لغاية تحقيق الشريعة، فما بالك لغاية غير شرعية، فليس من حق أي كان أن يتسبب بأي شكل من الأشكال في خسارة إما أموال الشعب التي في عهدة الدولة أو لدى أصحاب المؤسسات المشغلة بتعلة ـ نضال الضغط  ـ لغاية الحصول على حقوق مسلوبة، ولا تكون المطالبة المشروعة إلا بالحوار فإذا تحصّل المرء على حقوقه فقد بلغ المراد وإذا أخفق فله أن يبحث عن عمل آخر يضمن له ما يريد ولا يعمل على تكبيد رأس المال أي خسارة وإن فعل فيعد من المفسدين في الأرض ولن يشفع له طلب الزيادة في الأجر أو أي حقوق أخرى يوم الحساب، حتى لو كان  صاحب المؤسسة ظالما، فهنا عليه أن يشتكيه إلى السلطة وإن عجز فالله سيأخذ له حقه منه في الدنيا والآخرة لكن ليس من حقه أن يتسبب بأي شكل من الأشكال في إيقاف دواليب عمل هذه المؤسسة لأن ذلك يؤدي إلى خسارة رأس المال وقد تعجز المؤسسة بعد ذلك عن مواصلة تشغيل الناس لما تكبدته من خسائر فتغلق أبوابها، فيجد عشرات أو مئات من الشغالين عاطلين، لذا بقاء العمل حتى دون الأجر المأمول خير من البطالة، وإذا تعلق الأمر بالإضراب العام فإن ذلك قد يؤدي إلى إفلاس البلاد وتحميلها مالا تحتمل وخاصة أنها في أزمة مالية خانقة خارجة عن نطاقها.
  تجسد الفساد في كل الشرائح الأغنياء والفقراء، الموظفون السامون ومن هم في أسفل المراتب، وحتى الوزراء بما أن وزيري التربية والتعليم العالي أصدرا تعليمات بإغلاق فضاءات التعليم، وشارك في هذا الفساد رئس مجلس النواب وهو يصرح بان الإتحاد على حق في مطالبه للزيادة في الأجور، وحتى رجال الدين وأئمة المساجد من اطلعوا على جوهر ديننا في هذا الشأن الفساد في الأرض صمتوا وكتموا الحقيقة وسيحاسبون ويلجمون بألجمة من نار لأنهم لم يشرحوا للمضربين أن تصرفهم هذا هو فساد في الأرض، وحتى حزب النهضة الذي يدعي أنه بعث للمحافظة على مقومات الدين ما فتئ يظهر كل يوم أنه حركة الغاية منها الهرولة لاعتلاء سدة الحكم وهذا ديدن الإخوان المسلمين في كل قطر من العالم العربي والإسلامي وباستطاعته الاستعانة مع الشيطان كما قال مرشدهم العام في مصر لبلوغ السلطة، حركة النهضة الإصلاحية كما تدعي تعلم أن الإضرابات فساد في الأرض ومع هذا يشاركون في الإضراب ولا يعترض منهم أحد، وماذا نقول لملايين الذين يصلون يوميا ويعتمرون ويحجون وقد عصوه يوم الخميس الأسود، وهو في ميزان سيئاتهم وتظاهروا أمام الطبوبي وغيره من التجمعات الشغالية بالبلاد و لا يعلمون أنهم سيحاسبون  كلهم غدا أمام الله للخسارة التي تسببوا فيها بتعطيلهم العمل وتبديد ماله وليس مالهم.
  الإعلام بكافة طوائفه طبّل لهذا الفساد لأن ثقافته العلمانية تشرّع له الإضراب ولا يعرف ثقافة أخرى غيرها وهو معذور.
  مفتي الجمهورية خرس هو أيضا وسيكون عقابه عند الله كبيرا لأنه المكلف شرعا بتبيان شريعة الله و أن لا يخاف في الله لومة لائم،ويقوّم الإخلال بشريعة الله ويعدّلها، أما وقد صمت فقد ضل وأضل ووافق العلمانيين عقيدتهم الفاسدة.
خلاصة القول من حق بعض الأصوات الدينية خارج الوطن أن تتهمنا بضياع الدين في بلادنا، فيكون رد بعضنا إسلامنا جنسيته تونسية، وكأن الإسلام نزل فسيفساء كل بلاد وإسلامها، نشرّع للفساد عند الإضرابات والاعتصامات، وكذلك استبدال شرع الله في الميراث.

                                                          الناصر التومي

تعليقات