التقدير الخطأ

التقدير الخطأ

بقلم الدكتور المنجي الكعبي

تشعبت الآراء في فهم ما أراده الرئيس الباجي قايد السبسي في تعليقه على العملية الارهابية الأخيرة بقلب العاصمة التي قادتها امرأة بقوله: ظنينا بأننا قضينا على الارهاب إن شاء الله ما يقضيش علينا!

فإذا فهمنا اللغة العربية جيداً يكون المعنى أننا كما قال القائل قديماً: أردت عمرواً وأراد الله خارجة! أي أننا أخطأنا التقدير. يقول الإنسان ذلك عندما يدرك أنه أخطأ المرمى، أي كأنه قال لم نحسن معالجة الوضع كما ينبغي أو بما ينبغي، وهو دليل الفشل، فشل من أسندت لهم مهمة مقاومة الارهاب. وهي دعوة في الحقيقة لشحذ الهمم بمزيد اليقظة أو إعادة النظر في كيفية المعالجة الناجعة للتفويت على الخصم إدراك غرضه منا بسبب هذا الفشل العارض. لأن العملية كانت أقوى من أن يتصورها الإنسان كي تقع في واضحة النهار بمرمى رشاشات رجال الأمن والجيش وموانع المرور وحواجز المراقبة والتفتيش. 

وهذا يقوله القائد لجنوده لاستنفار كل قواهم وغيرتهم على شرفهم العسكري والأمني حتى لا يتعرضون في المستقبل لغرة أو هفوة أو تراخ، فتكون لهم الغلبة في الجولة القادمة.

فلو، بالعكس ملأهم رضى عنهم وتهويناً عليهم الأمر لغالط وجامل وقلّل ولفتّ من عضُد الكثيرين، ويكون قد سبب لهم عدم التوقع للهزيمة أبداً، وهو شر ما يَكْسر النفوسَ عن النهوض للحرب والقتال والتضحية والنِّزال.

وهذا يقوله الرئيس لأنه الأعرف بأداء دواليب الدولة إن كانت تسير كما يرام لها أن تسير، أم لما يراه من خلل أو وهن أصابها، يستدعى منه دق ناقوس الخطر والمبادرة بالإصلاح بكل سرعة وجرأة وقوة. 

وتأويل الخطاب هو فن قديم، ليس لأن اللغة قاصرة بطبيعتها عن الوفاء بالمعنى القائم في نفس المتكلم قبل أن يأخذ صورته الرمزية في ألفاظ وتركيب وأسلوب، ولكن لأن حظ المتكلمين بها ليس واحداً وأدبهم منها ليس واحداً، وليس كل متحدث بها يعلم من أسرار ما كان يعلمه المتحدثون بها ممن ثقافتهم منها أمتن وأقوى وأصفى وأفصح.

ولا شك أن إيحاءات اللغة وأدبها في مثل « أردت عمرواً وأراد الله خارجة»، يقصر عن إدراكه كل من لم يتمثل الموقف عندما أخطأ قاتل عمرو بن العاص في قضية الخلافة بين علي ومعاوية، فأوقع السيف على خارجة في غبش الفجر وهو يظنه عمرو بن العاص صاحب معاوية وكان عمرو تخلف يومها عن الصلاة وأناب عنه خارجة بن حذافة. فكانت قولته تلك. 

أي أن الإرهاب، لخطإ تقديرنا في مطاردته، تجاوز الجبال فالمدن ووصل الى العاصمة، فهل بعد هذا حديث لمتحدث بأننا حققنا الأدنى لتأمين بلادنا بالقدر الأقصى من الجهود لدفعه عن حدودنا. 

تونس في ٢ نوفمبر ٢٠١٨

تعليقات