علي الزنايدي آخر سدنة معبد مدرسة تونس

بقلم : محمد المي

في رواق السعدي بضاحية قرطاج حنبعل يقيم هذه الأيام الفنان التشكيلي علي الزنايدي معرضا شخصيا قدم فيه 32 لوحة مختلفة الأحجام متباينة التقنيات سماه بفضاءات طفولتي استعاد فيها الأزقة والحارات الشعبية التي عاش فيها إذ أن علي الزنايدي هو ابن نهج السبخة الموجود قرب نهج باب الفلة والمطل على باب الجزيرة.

هو الفنان الذي تحاشى التجريد مركزا في أعماله التشخيصية على رسم مداخل الانهج وفضاءاتها البارزة كالمقاهي وسوق الخضروات ومنعرجات الانهج ومنعطفات المدينة باعتبارها فضاء حميميا تكيفت فيه ذاكرته ومنه يستمد مواضيعه.

يتميز علي الزنايدي بحذق الرسم والتلوين مكمل ومتمم للرسم وهو بهذا يذكر بجماعة مدرسة تونس أو لنقل يتواصل مع نهجهم وان لم يكن منهم إلا أن علي الزنايدي ركز على اهتماماتهم وواصلها مضيفا إليها ما توصل إليه الرسم كتقنية الكولاج إذ هو يحسن استخدام هذه التقنية إلى درجة يقنعك لا بجدواها بل بضرورتها.

في أعماله بحث عن إمكانيات جديدة للحضور وكيفية تقديم اللوحة إلى جمهور يكاد يكون معلوما تربى على لوحات القرجي والزبير التركي وعمار فرحات ولا يهم أن وصفت تلك الأعمال بالفولكلورية أو الأعمال التي تستجيب إلى النظرة الاستشراقية للفن. ..فذلك من آخر اهتمامات الفنان.

لقد طغى على المشهد التشكيلي اليوم مايطلق عليه تجوزا التجريد وتوظيف المادة والتقنية المزدوجة إلا أن هذا النمط الكلاسيكي الذي يجد صداه ومكانة لدى فئة من المتلقين تربت ذائقتهم على مدرسة تونس في الرسم أضف إلى ذلك أن علي الزنايدي من القلائل الذين يحسنون الاشتغال بالاقلام اللبدية (Pastel  )  وما يعجبني في أعماله انه يستدعي مواضيعه من ذاكرته وحتى ان التقطها بالكاميرا فإنه لا يخضع للصورة كما هي وإنما يضيف إليها ماترسب في ذاكرته إذ أن مخيلته ممتلئة بالأمكنة وفضاءات المدينة التي بقي مشدودا إليها كالطفل الذي يحن إلى حضن أمه. فهو لا يتعامل مع اللوحة تعاملا ماديا فقط بل تعاملا عاطفيا فيه من الهواجس والذكريات والحنين والحب الشيء الكثير فيصلك ذلك الشعور وتتملكك تلك العاطفة رغما عنك دون إذن منك وذاك سر بهائها وتلك هي قصة متعتها في العين النادرة إليها. 

في أعماله حرص على ترسيخ أهمية الفن والحاجة إليه باعتباره مظهرا جماليا يدعوك إلى تذكر لحظة البدء.

المكان فضاء جامد لكن الشحنة العاطفية التي يرسمه بها الزنايدي تجعل منه عالما حافلا يؤكد الحضور .

الحيوان والإنسان كائنات حية تبعث على الحركة وتضفي على اللوحة مايجعلها أقرب إلى الحياة.

تلك هي عوالم على الزنايدي الفنية ومقاربته الجمالية التي تستدعي النظر إليها من هذه الزوايا لذلك فإن معرضه الحالي برواق السعدي يستدعي الزيارة والتمتع.

تعليقات