لا تتلاعبوا بشهاداتنا العلمية

لا تتلاعبوا بشهاداتنا العلميّة...

(فضيحة من فضائح الفساد العلميّ)

بقلم: د. العادل خضر

***

كنّا إلى عهد قريب نعتقد أنّ الفضائح منحصرة في عالم صغير لا يتجاوز المشاهير من أهل الفنّ والسّياسة. ولكن يبدو أنّ عالم الفضائح قد اتّسع في هذه الأيّام، فشمل عالم التّربية والتّعليم والبحث والعلم. كيف لا وأسوار الجامعة قد فاحت منها رائحة شبيهة برائحة الفضائح الهوليوديّة، مع فارق بسيط هو أنّ الأبطال هذه المرّة أساتذه لا نجوم السّينما. نعم! أساتذة تواطؤوا على جعل نهاية سنة 2005 مثيرة للجدل والتّشاؤم والخوف على مستقبل البحث العلميّ ببلادنا ومستقبل شهاداتنا العلميّة الّتي لا يشكّ اثنان في مصداقيّتها وقيمتها المعترف بها على الصّعيد العالميّ.

لا يحتاج الأمر إلى خبرة صحافيّين محترفين ولا إلى مكر البابارازي حتّى يلمّ المرء بسرعة بخيوط الفضيحة. يكفي أن نقترب قليلا من الأوساط الجامعيّة وحلقات الأساتذة من الّذين كسروا جدار الصّمت حتّى نعلم أنّ الفضيحة تتعلّق بسرقات متتالية: سرقة علميّة نتجت عنها سرقة شهادة علميّة من أعلى طراز في بلادنا، توّجت في آخر المطاف بسرقة رتبة أستاذ محاضر. قد يبدو هذا الكلام للقارئ الكريم من باب المبالغات والإخراج السّينمائيّ، أو هو من إبداع خيال مريض مغرم بالفضائح وتشويه الحقائق. من حقّ القارئ أن يشكّ في كلّ كلمة نكتبها، ولكن ليس من حقّه أن لا يصدّق ما نكتبه عندما تدعّم كلّ كلمة بأدلّة وبراهين، بل ليس من حقّه أن لا يطالب بفتح تحقيق في قضيّة السّرقات ومسلسل فضائحها عندما يصبح مطّلعا على ما جرى. فالسّاكت على الحقّ شيطان أخرس.

أطوار هذا المسلسل عديدة ومتقلّبة، ما أن تهدأ قليلا حتّى تنفجر بفضيحة أخرى تنسينا سابقاتها. حدث كلّ ذلك بين جوان 2004 ونوفمبر 2005، أو قبل ذلك بقليل. فبعد أن أودعت بطلة المسلسل، وهي أستاذة باحثة تدعى منية الحمّامي (تجمّعيّة عضو في جمعيّة بسمة وإحدى المناشدات، ترتيبها 25 في قائمة الجامعيّين المناشدين)، نسخا من أطروحتها، وتكوّنت لمناقشتها لجنة علميّة (تركّبت من رئيس اللّجنة، والأستاذ المشرف ومقرّرين وعضو) شرع الأستاذان المقرّران في قراءة الأطروحة ليعدّ كلّ واحد منهما تقريرا فيها. وأثناء القراءة بدأ الشّكّ يساور أحد المقرّرين في أصالة ما كتب في نصّ الأطروحة. وسرعان ما اكتشف بعد التّمحيص والتّحرّي أنّ صفحات كاملة وفقرات طويلة قد سطت عليها &الأستاذة الباحثة؟& وأخذتها بحذافيرها وحرفيّا دون تغيير أو زيادة أو نقصان من كتب أخرى دون أن تحيل عليها إحالة صريحة أو ضمنيّة حسب المنهاجيّة المتعارف عليها في البحوث العلميّة. ولمّا أعلم هذا الأستاذ المقرّر الأستاذ المشرف (عبد السّلام المسدّي) (وهو وزير سابق في أوّل حكومة لبن عليّ)، قلت لمّا اتّصل به الأستاذ المقرّر اربدّ وجهه واضطرب واقترح أن تؤجّل مناقشة الأطروحة إلى السّنة المقبلة. ويا ليته فعل، لأنّه ما أن عاد إلى نصيره وصديقه الأزليّ (محمّد الهادي الطّرابلسي) (وهو عميد سابق، ورئيس لجنة أطروحات دكتورا الدّولة في ذلك الوقت) حتّى نصحه بأن لا يؤجّل شيئا وأن تجري المناقشة في الأيّام المقبلة دون اعتبار لحرمة المقرّرين وحرّيتهما في تقرير إن كانت الأطروحة جديرة بالمناقشة أم لا. ولا فائدة في أن نذكر عدد المكالمات الهاتفيّة الّتي تهاطلت على الأستاذ المقرّر (المرحوم عبد الله صولة)، والضّغط الّذي مورس عليه حتّى أذعن مشترطا أن تصلح المترشّحة ما أفسده الدّهر في أطروحتها، وترجع الأمور إلى نصابها وتعيد لكلّ ذي حقّ حقّه من الّذين سطت على أفكارهم وأقوالهم وما كتبوه. ليس لنا دليل على ما حدث قبيل المناقشة إلاّ شهادة الأستاذ المقرّر، وهي شهادة على الشّرف، صار من الصّعب الآن تدعيمها بقائمة تفصيليّة في عدد المكالمات الهاتفيّة (جوان 2004) الّتي تلقّاها الأستاذ المقرّر في تلك الفترة السّابقة للمناقشة، والتّثبّت في مصدر المكالمات. ولنذكّر القارئ الكريم أنّ من تقاليد المناقشة أن لا يتّصل أحد بالمقرّرين في فترة قراءة الأطروحة، حتّى لا يؤثّر في عملهما أحد ضمانا لكلّ نزاهة وموضوعيّة.

لنقفز قليلا على الأحداث إلى يوم المناقشة. فما حدث في ذلك اليوم نمتلك دليلا مادّيّا عليه، هو شريط الفيديو. ففي تقاليد بعض كلّياتنا، تصوير يوم المناقشة وتكوين أرشيف يعكس صورة من نشاط المؤسّسة الجامعيّة. من يشاهد هذا الشّريط لا بدّ أن يلمس النّقد الشّديد الّذي وجّه لأطروحة الباحثة، والأهمّ من النّقد تلميحات رئيس لجنة المناقشة الضّمنيّة والصّريحة لما أقدمت عليه الباحثة من &سطو& و&إغارة& و&نقل& و&نسخ& لصفحات من أطروحات تونسيّة قد أشرف عليها هو بنفسه. ولا فائدة في ذكر أسماء أصحاب هذه الأطروحات، لأنّ رئيس لجنة المناقشة قد قرأ على رؤوس الملإ نبذ وشذرات وفقرات من هذه السّرقات مقارنا ما جاء في الأطروحات المذكورة وما جاء في أطروحة المترشّحة.

يمكن للقارئ أن يتوقّع من اللّجنة سحب ثقتها في المترشّحة وتوبيخها ومنعها من الحصول على شهادة دكتورا الدّولة في اللّغة والآداب العربيّة. ولكن من يتابع هذا الشّريط سيجد أنّ نهايته السّعيدة تذكّرنا بالمسلسلات المكسيكيّة والهوليوديّة والمصريّة، لأنّ المترشّحة عادت مسرورة إلى بيتها. كيف لا وقد منحتها اللّجنة برمّتها هذه الشّهادة بملاحظة مشرّف جدّا، وهي مكافأة على ما بذلته من جهود جبّارة في السّرقات العلميّة الموصوفة وغير الموصوفة. ولا نلوم المترشّحة على قبول الشّهادة، فهي في كلّ الأحوال لم تختطفها، ومسؤوليّتها تنتهي عند هذا الحدّ، ولكن نلوم بشدّة، بل ندين بكلّ صرامة ونتّهم بكلّ أصابعنا كلّ عناصر اللّجنة دون استثناء من الّذين وقّعوا بإمضاءاتهم على محضر منح المترشّحة هذه الشّهادة وبملاحظة مشرّف جدّا. ندينهم ونتّهمهم لأنّهم سلّموا شهادة علميّة ولقبا علميّا (دكتورا دولة) لمترشّحة لا تتوفّر فيها الشّروط العلميّة والأخلاقيّة الّتي تجعلها جديرة بنيل تلك الشّهادة. ندينهم ونتّهمهم لأنّهم لم يدافعوا على مصداقيّة شهاداتنا الوطنيّة. ندينهم ونتّهمهم لأنّهم كانوا على بيّنة وعلم بوجود سرقات. ندينهم ونتّهمهم لأنّ القانون في كلّ بلدان العالم يعاقب اللّصوص ولا يكافئهم. ندينهم لأنّ ما أقدمت عليه منية الحمامي يدخل تحت طائلة القانون لأنّ ما سطت عليه يدخل في حيّز ملكيّة الغير.

ويبدو أنّ ما جاء في كلمة رئيس اللّجنة من تلميح وتصريح لوجود السّرقات قد رجّ بعض الأساتذة المتخصّصين في علوم اللّغة، لأنّهم ما إن تمكّنوا من قراءة أطروحة الأستاذة منية الحمّامي الّتي أصبحت دكتورة حتّى اكتشفوا أثناء قراءتهم أنّ المسروق من أطروحاتهم وكتب أخرى يفوق في حجمه بكثير أضعاف أضعاف ما قدّره المقرّران ورئيس اللّجنة. فما اكتشف إلى حدّ ذلك التّاريخ (2004) يناهز الثّلاثمائة صفحة، والتّحقيق مازال جاريا. وخلال تلك الفترة تقدّمت الأستاذة الدّكتورة بملفّ &علميّ؟& إلى لجنة انتداب الأساتذة المحاضرين في اختصاص اللّغة والآداب العربيّة (السّنة الجامعيّة 2003-2004). وقد ضمّ هذا الملفّ الأطروحة ومقالات تبيّن فيما بعد أنّ بعضها على الأقلّ مسروق من مقالات أخرى. وقد عيّن لفحص هذا الملفّ أستاذان في الاختصاص أحدهما (الأستاذ الأزهر الزناد) الّذي كان مقرّرا في لجنة الانتداب. وقد مكّنه اطّلاعه الدّقيق على ملفّ المترشّحة صحبة العضو المقرّر الآخر من اكتشاف سرقات نعتاها بالسّرقات الموصوفة. وهي تعدّ بعشرات الصّفحات أخذت من مصادر مختلفة منها ما كان من نتاج الجامعة التّونسيّة، ومنها ما كان من نتاج الأشقّاء العرب، نخصّ بالذّكر أعمال الباحث المغربيّ المتخصّص في المنطق وفلسفة اللّغة طه عبد الرّحمن، وقد نقلت من بعض كتبه أشياء كثيرة دون أن تحيل عليه أبدا. وبناء على ما اكتشف من السّرقات قدّم المقرّران في شأن ملفّ المترشّحة تقريرين سلبيّين، ممّا أقنع بقيّة أعضاء اللّجنة بعدم الموافقة على انتداب الأستاذة الدكتورة في خطّة أستاذ محاضر.

كان بالإمكان أن يتوقّف مسلسل الفضائح عند هذا الحدّ لو أنّ الأستاذة الدكتورة (منية الحمامي) تعهّدت ملفّها العلميّ بالتّنقيح والإصلاح لتكون جديرة بالارتقاء في خطّة أستاذ محاضر، ولكن لا يفلح العقّار في من أفسده الدّهر، فقد استفحل داء السّرقة فيها، لأنّه ما أن فتحت وزارة التّعليم العالي أبواب التّرشّح لخطط أستاذ محاضر في كلّ الاختصاصات (السّنة الجامعيّة 2004-2005) حتّى تقدّمت بنفس الملفّ تقريبا دون تنقيح أو تصويب أو تغيير يذكر، علما بأنّ اللّجنة قد حافظت على تركيبتها السّابقة باستثناء عضو واحد، هو أحد المقرّرين السّابقين. ولكن لا نسبق الأحداث. فالحلقة الأخيرة من هذا المسلسل قد أخفت في طيّاتها الكثير من المفاجآت. تبدأ وقائع هذه الحلقة بتقدّم المترشّحة بشكوى إلى معالي وزير التّعليم العالي والبحث العلميّ طعنت من خلالها في نزاهة أحد المقرّرين المتخصّصين (الأزهر الزناد) بناء على اعتبارات شخصيّة لا علميّة. والغريب في الأمر أنّ هذه الاعتبارات الشّخصيّة والمشاكل السّابقة لم تطف على سطح الأحداث إلاّ بعد أن كتب في شأنها تقريرا علميّا سلبيّا أظهر فيه مستواها الحقيقيّ ومستوى ملفّها من النّاحية العلميّة. والأغرب من شكوى المترشّحة الّتي لا يدعّمها برهان أو دليل استجابة معالي وزير التّعليم العالي والبحث العلميّ لهذه الشّكوى، فأقدم على ما لم يقدم عليه أحد من الوزراء السّابقين، وذلك حين حوّر من تركيبة اللّجنة (وتدوم صلاحياتها في العادة سنتين متتاليتين)، فعوّض الأستاذ المقرّر (الأزهر الزناد)، المطعون زورا في نزاهته، بأستاذ آخر (وهو فرحات الدريسي)، بعيد كلّ البعد عن اختصاص المترشّحة، ويعرف القاصي والدّاني، والعامّ قبل الخاصّ، الظّروف الّتي ارتقى فيها إلى خطّة أستاذ محاضر ثمّ إلى أستاذ تعليم عال، علما بأنّ ارتقاءه إلى هذه الخطّة الأخيرة قد استغرق حوالي عشر سنوات، بعد تدخّل سافر من جهات لا علاقة لها بالعلم والمعرفة (تدخّل التّجمّع في ترقيته بواسطة عضو اللّجنة التنفيذية عبد المجيد البدوي الّذي ترأّس لجنة انتداب الأساتذة خصّيصا لترقية فرحات الدّريسي). ولا فائدة في أن نذكّر قارئنا الكريم أنّ هذا الأستاذ الفذّ فرحات الدّريسي قد كان من أنشط الأساتذة وأخلصهم وأوفاهم للعمل النّقابيّ، ومن الّذين اضطلعوا بالأدوار الأولى في إفشال الإضراب الإداريّ الّذي قام به الأساتذة الجامعيّون في أواخر السّنة الجامعيّة (2005). فهل كان تعيينه في لجنة وطنيّة، وهو الّذي لم يعيّن قطّ في لجنة انتداب، مكافأة له على ما أسداه من خدمات جليلة ضدّ الجامعة والجامعيّين؟ أم أنّ ما خفي كان أعظم؟!!! لنعد إلى مسلسلنا بعد أن عرّفنا بعض التّعريف بأحد أبطاله الجدد. ففي اليوم الّذي وقفت فيه المترشّحة أمام لجنة الانتداب في صورتها الجديدة المحوّرة، جوبهت بطلة المسلسل الأستاذة الدكتورة بأدلّة قاطعة تثبت بما لا يدعو إلى الشّكّ وجود كمّ هائل من السّرقات قد تجاوز نطاق الأطروحة ليشمل كذلك المقالات المضمّنة في ملفّها. ويبدو أنّ كمّ السّرقات كان يتزايد بمرور الزّمن إذ كلّما أعيدت قراءة هذا الملفّ اكتشفت صفحات جديدة مسروقة من مراجع أخرى لم يكن أعضاء اللّجنة على علم بها. من ذلك أنّ أحد المقرّرين قد قدّم تقريرا سلبيّا في ملفّ المترشّحة تضمّن من بين ما تضمّن 260 صفحة من الصّفحات المسروقة. أمّا المقرّر الآخر (وهو فرحات الدّريسي) الّذي عيّنه الوزير عوض المقرّر السّابق (الأزهر الزناد) فقد قدّم في المقابل تقريرا إيجابيّا لم يتجاوز حجمه الصّفحة ونصف الصّفحة بخطّ اليد. ينبغي أن نذكر ما وقع في ذلك اليوم المشهود. فقد ذكر شهود العيان أنّ المترشّحة لمّا جوبهت بسرقاتها لم تحر جوابا واكتفت بالصّمت. ونتساءل أكان ذلك الصّمت خجلا وحياء أم كان صمتا مخطّطا له مدبّرا من قبل؟ ذلك أنّ صمت المترشّح وعدم إجابته على الأسئلة الّتي تطرح في شأن ملفّه ينقص كثيرا من حظوظ انتدابه ويعتبر دليلا على ضعف مستواه وعدم قدرته على الإقناع في خطّة علميّة تتطلّب قدرة فائقة على المناقشة والجدال والحجاج والعلم والمعرفة. ولا شيء من هذا برهنت عليه المترشّحة. ورغم ذلك كوفئت مثلما كوفئت يوم ناقشت أطروحتها، إذ تمّ قبولها في خطّة أستاذة محاضرة. كنّا نودّ أن نذكر ما حصل لمّا اختلت اللّجنة للتّداول والتّصويت. ولكن المجالس بالأمانات. ولذلك نمتنع من ذكر ما حصل لأنّه من المحزنات المخزيات المبكيات... والمهمّ أنّ التّصويت قد أسفر عن قبول المترشّحة بتصويت عضوين ضدّها هما رئيس لجنة الانتداب والعضو صاحب التّقرير السّلبيّ، وثلاثة أعضاء صوّتوا لفائدتها منهما عضوان قد صوّتا في السّنة الماضية بعدم قبولها. فسبحان مبدّل الأحوال. ترى ما الّذي حدث والملفّ هو هو لم يتغيّر حاله؟ ألأنّهما وجدا في العضو الجديد سندا لم يجداه في العضو المزاح؟ أم لأنّ جهات غير علميّة (جمعيّة بسمة مثلا الّتي تنتمي إليها المترشّحة) أوعزت لهما بضرورة التّصويت لفائدة المترشّحة رغم يقينهما واعترافهما بوجود السّرقة؟ أم أنّ حجم السّرقات في الدّورة السّابقة لم يصل إلى الدّرجة الّتي تسمح بانتدابها في خطّة أستاذ محاضر، فلمّا بلغ الحدّ المطلوب انتدبت؟

قد يريد القارئ الكريم أن يعلم ما حدث بعد ذلك؟ أرسل القصر الرئاسي من يحقّق في الأمر بعد أن نشرت الفضيحة العلميّة على أعمدة الصحف التونسية والعربية. وكالعادة نسيت الجريمة وطوّقت، وأمضى الرّئيس المخلوع على شهادة دكتورا دولة رغم علمه بحيثياتها، ثمّ بدأ البحث عن مرتكبي الفضيحة (ومنهم كاتب هذا المقال وأساتذة من النّقابة الأساسيّة بكليّة الآداب بمنّوبة) لا مرتكبي الجريمة العلميّة الّتي مازالت إلى اليوم تنتظر من يحاكمها وإعادة الاعتبار الرّمزي لمصداقية شهائدنا العلميّة.

يمكن أن نطرح الأسئلة السّاخرة لأنّ هذه الفضيحة من المضحكات المبكيات، ولكن كلّ ذلك سيبعدنا عن النّهاية السّعيدة. وهي نهاية لم يتوان معالي وزير التّعليم العالي (الأزهر بوعوني آنذاك) لحظة من المشاركة فيها، لأنّه وافق على قرار انتداب المترشّحة في خطّة أستاذ محاضر رغم أنّه يوجد على مكتبه تقرير خطر خطير فيه فضيحة علميّة لا غبار عليها. يمكن أن نفسّر موافقته هذه برقّته ورأفته وحنانه المفرط على الجنس اللّطيف، أو ليثبت للجامعة والجامعيّين أنّه الفاتق النّاطق، يفعل ما يحلو له دون اعتبار للقوانين والأعراف والأخلاق. ليس لنا ما نقول للرّدّ على قرار الوزير سوى مثل عربيّ قديم: & ما هكذا تورد الإبل يا عمرو & حتّى لا نقول & إذا رأيت كبير القوم على الطّبل ضاربا، فلا تلومنّ الصّغار على الرّقص.&

في هذا السّياق أيضا، وبعد مرور خمس سنوات من الفضيحة العلميّة، نذكّر بأنّ نفس الدكتورة منية الحمّامي قد تقدّمت في السنة الجامعيّة 2009 - 2010 للارتقاء في رتبة أستاذ تعليم عال بملفّ يضمّ عشرة مقالات اكتشف المقرّران اللّذين تولّيا قراءة ملفّها أنّها مسروقة أيضا، علما بأنّ هذا الملفّ قد تضمّن محاضرات قدّمتها المترشّحة المناشدة  في منابر التّجمّع، فمتى كان النّشاط الحزبيّ يودع في الملفّات العلميّة؟

ماذا بقي الآن أن نفعل لمواجهة الفساد العلميّ الّذي لا نعلم إلى أيّ حدّ استشرى في جامعاتنا؟ متى ستفتح وزارة التّعليم العالي والبحث العلميّ هذا الملفّ وتصفّيه؟

في انتظار ما يمكن أن يحدث في قابل الأيّام، ليس لنا من ردّ على الفضيحة والتّزييف والتّلاعب بالشّهادات العلميّة الوطنيّة سوى أن نتوجّه إلى الرّأي العامّ، وإلى سلطة الإشراف الممثّلة في شخص وزير التّعليم العالي والبحث العلمي، بطلب رسميّ نطالب فيه بفتح تحقيق جدّيّ لتقصّي الحقيقة، ومعرفة كلّ من له يد في طبخ هذه الفضيحة وحبك خيوطها. إنّنا نتّجه إلى الرّأي العامّ التّونسيّ، وبصفة خاصّة إلى رئيس الدّولة، لأنّ هذه القضيّة لها مساس بمصداقيّة الدّولة ذاتها حارسة المؤسّسات والقوانين والقيم. فالتّلاعب بمصداقيّة الشّهادات العلميّة الوطنيّة هو تلاعب بهيبة الدّولة قبل كلّ شيء.

تعليقات