كاليقولا الجزيري أو غربة المسرح التونسي


بقلم : محمد المي

                         كاليقولا هو اسم إمبراطور روماني طاغية جمع بين الشر وجنون العظمة وقام في فترة حكمه بأفعال لا يقبلها العقل البشري فاسمه يعني الحذاء الروماني وهي اسم شهرته في حقيقة الأمر لأن اسمه الحقيقي غير ذلك وقد أطلق عليه هذا الاسم للسخرية منه وهو صغير السن فبقي ملاصقا له وهو شخص مصاب بأنفصام الشخصية .

                         كان يبكي لأنه عجز عن تحويل شروق الشمس من المغرب وكان يشعر بالعجز لأنه لم يقدر على إيقاف الموت فتصرف تصرفات غريبة وعجيبة من ذلك تنصيب حصانه عضوا في مجلس شيوخ روما ويحكى انه أقام حفلا بمناسبة تنصيب حصانه واستدعى أعضاء المجلس واشراف روما الذين فوجئوا عندما اكتشفوا أن الوليمة التي أعدت لهم هي القش والتبن في الأواني الذهبية وكان عليهم اكل التبن والقش لإبداء فروض الولاء والطاعة .

                           هو بكل بساطة صنيعة الحاشية التي زينت أفعاله وهللت وصفقت لحماقاته لقد وصل الأمر بكاليقولا إلى تجويع شعبه حين اقفل عليهم مخازن المؤونة لأن سنوات حكمه لم يكن فيها الطاعون ولا الوباء ولا المجاعة فقال قولته الشهيرة سأحل أنا محل الطاعون وجوز لنفسه وراثة الأغنياء وحرمان خلفهم من وراثتهم فكان يصدر الأوامر لتوريث نفسه معلنا انه يسرق بصراحة .....الخ من الحماقات أو جنون العظمة .

كيف نصنع الطاغية ؟

                           لقد تفطن الفلاسفة إلى هذه الإشكالية المرتبطة بالفلسفة السياسية فابدع فيلسوف العبث الوجودي البير كامي في تحويل هذه الإشكالية إلى عمل إبداعي  بقي في الذاكرة . إذ كتب مسرحيته تلك سنة 1938 وعمره آنذاك 25 عاما صور فيها الطاغية الذي يشرع القوانين ثم يخرقها أو يزدريها متصورا أن أفعاله تلك نابعة من تصور عبقري يهدف إلى تعليم الشعب معنى الحرية والمشكلة الحقيقية ليست في الطاغية وإنما في المحيطين به .

كاليقولا الفاضل الجزيري

                          قد يفاجئ القارئ حين أقول أن كاليقولا الجزيري التي قدمت في قاعة الفن الرابع مساء الجمعة 11 جانفي لا علاقة لها من بعيد او قريب لا بكاليقولا الرومان ولا بكاليقولا البير كامي ولا شيء يمكن أن يجده من هذه أو تلك يكفي أن نقول أن اسم كاليقولا لم يذكر إلا مرة واحدة في المسرحية وذكره جاء كالشتيمة التي وجهها الممثل الكبير محمد كوكة للممثل الشاب محمد بركاتي

أشهد اني لم أفهم

                          لقد عمد المخرج (الذي أطلق على نفسه صفة مدير الورشة متخليا عن صفة المخرج ) إلى كسر أفق انتظار المتلقي حيث أوهم بأن المسرحية اقتبست من مسرحية البير كامي فإذا بنا أمام نص لا علاقة له من قريب أو بالنص القديم وقد أنخرط الفاضل الجزيري في موجة المسرح مابعد الدرامي الذي يهدف إلى تفتيت النص ساعيا إلى نسفه والغائه مستعيظا عنه بحركات الشخوص ولا اقول الممثلين الذين حضروا على الركح في حمام ملتحفين بدثار نشاف ابيض يذكر بأكفان الموتى م ما تحيل إليه رمزية الحمام (التطهر من الادران ) والماء  (رمز الخصب والأحياء ) مع نص غامض وحركات مثيرة تشكل لوحات فرجوية أقرب إلى السريالية.
                          اشهد اني لم أفهم قصد المخرج ولم أفهم مسرحيته وخرجت بلا متعة غير راغب في إعادة التفرج عليها غير ناصح القراء بالاقبال عليها إذ ليس فيها من كاليقولا غير الاسم .

إلى أين يسير المسرح التونسي؟ 

                           لا أعتقد أن المسرح التونسي بخير ولا أعتقد أنه يسير في الطريق الصحيح إذ للأسف الشديد نحن بصدد الانخراط في موضة عالمية ( مسرح مابعد الدراما ) الذي سيجهز على ماتبقى من محبي المسرح وسنجد قاعات فارغة إلا من بعض الذين لهم قدرة خارقة على الفهم فيكون مسرحا نخبويا ضيقا مقتصرا على عشرة أنفار أو على مسرحيين ينتجون بأموال الشعب مسرحا لا يتفرج عليه غيرهم .

طبعا المسرح التونسي ليس بخير

تعليقات