المرأة في أعمال الصادق الماجري

المرأة في أعمال الصادق الماجري 

بقلم : محمد المي 





                                              يعتبر الصادق الماجري (1941/2017)
 من الجيل الثالث الذي برز بعد الاستقلال في مجال الفن التشكيلي التونسي حيث تخرج من مدرسة الفنون الجميلة مع جيل نذكر منه أسماء بعضها انقطع ذكره وبعضه اشتهر وبرز على غرار : 

فلة الكافي والحبيب بن مسعود وقمر الزمان عكريش وسعاد ضيف الله والحبيب الكنيالي وعبد الحميد الاينوبلي والمنوبي بوصندل والهادي داود  والهاشمي مرزوق وأدريان مامي وعلي قويعة ومحمد صمود ومحمد بلعجوزة ونبيهة البحري ووسيلة الخميري ...الخ .

ولكنه لم يصرف عمره في الفن التشكيلي  بل قادته سبل الحياة إلى التخصص في فن الديكور عندما التحق بمؤسسة التلفزة التونسية فاسهم في عدة مسلسلات تلفزية وأفلام سينمائية وومضات اشهارية ...غير أنه لم ينقطع عن ممارسة الرسم والتلوين ولم يبتعد عن ميدان الفنون الجميلة بل زاد ولعه بها واكترى مرسما بجهة لافايات بالعاصمة تونس لممارسة حبه وعدم الانقطاع عم ميولاته الفنية في بلاد لا تعطي أهمية كبيرة للفن التشكيلي ولا يمكن للفنان التشكيلي فيها أن يعيش من فنه .



لقد أقام الصادق الماجري في حياته عدة معارض فنية فردية كانت أو جماعية فتذكر معارضه الفردية في حياته : 

1993 قاعة يحيي 
1996 قاليري المدينة 
1999 / 2011 بفضاء كان ببوفيشة 
1998 قاليري كرياتير بصفاقس 
1999 بسترازبورق 
2007 بكاليقولا 
2016 بدار الفنون بالبلفدير 

وأول معرض استيعادي بعد وفاته هو المقام حاليا برواق صلاح الدين بسيدي بوسعيد  (2019 ) وقد ترك عددا كبيرا من اللوحات المتفاوتة الأحجام والمختلفة التقنيات على محامل متعددة ويكاد المعرض الأخير يختص باللوحات ذات الأحجام الصغيرة والمتوسطة ( 67 لوحة ) تراوحت أسعارها من 400د إلى 7000 د وهي أسعار رشيدة مقارنة بما يروج من أسعار جنونية لبعض الفنانين متوسطي الموهبة في سوق فنية لا مرجع فيها ولا ضوابط لها. 

مايمكن استنتاجه وانت تتجول بين لوحات الفنان التشكيلي الصادق الماجري أن هذا الفنان يحسن إلى فنه إحسان من يحب الفن إذ يكاد يتماهى مع عمله وينصهر فيه فلا يترك فضاء في اللوحة فارغا ويهتم بكل جزئية في الخامة فتشعر انه يدب فيها دبيبا ثابتا غير متسرع أو متجاهل لجزئية فيها .

الرسم عنده هو المنطلق وهو الأساس الذي تدور في فلكه رؤيته الفنية فيغوص في فضاء اللوحة بابعادها المختلفة ومستوياتها الظاهرة والخلفية وربما هذا اكتسبه من معرفته بفن الديكور  إذ يسعى إلى تأثيث الجوانب الخلفية للرسم فيظهر الامتداد البصري الممكن والمناسب قياسا بحجم موضوع الرسم اي اذا رسم الصادق الماجري امرأة ممددة فلا يترك ذلك الرسم يتيما في الفراغات المحيطة بها بل يسعى إلى تاثيثها بخلق أطر خارجية _داخل اللوحة طبعا _ لا تجعل من تلك المرأة موجودة في إطار غريب أو هجين فيخرج بك الصادق الماجري من الرسم الحميمي لجسم المرأة إلى الرسم التكعيبي الذي يعتمد الأشكال الهندسية الموضوعية فتلمس رغم التنافر بين طبيعة الشكلين انسجاما وتألفا .

قل وندر أن تجد شخوص الصادق الماجري من الرجال بل المرأة تكاد تنفرد بموضوع لوحاته غير أن هذه المرأة تظهر في أحجام غير طبيعية إذ يعمد إلى إطالة أطرافها سواء الساق في أغلبها  أو اليد أحيانا مركزا العمل على كامل جسمها غير معني بتفاصيل وجهها مثلا او تحديد أصابع الأطراف أو جزئيات آخرى في جسمها الذي يقدمه عاريا متجردا من كل الأقنعة. 

يمكن أن تستنتج كذلك أن الرسم لم يأت من فراغ بل يتضمن حكاية ويروي قصة حاضرة في مخيال الفنان .

التجريد ملازم للتشخيص عند الصادق الماجري إذ لا يمكن أن تقرأ اللوحة إلا بفهم دلالة تجريد المرأة من ملامحها حتى تقول حكاية أو تفصح عن لغز إذ تمثل مفردة أمام الجماعة في تحد صارخ أو مواجهة صريحة أو منتشية بجسدها منكفأة على ذاتها غارقة في امتداد جسمها الفارع. 

لقد استطاع الصادق الماجري أن يبصم عمله ويميزه بطريقة مخصوصة تجعل من فنه يتمتع بفرادة في الإنشاء يحتمل شاعرية الرسم واللون في أن واحد  مع رهافة في الذوق عند اختيار الألوان المناسبة للمواضيع. 

تشعر عندما نواجه لوحة الصادق الماجري بثانية السكون والحركة إذ يعمد إلى ألوان هادئة ، فاتحة ، تريح البصر وتبعث على الطمأنينة إضافة إلى مجالات الفراغ المقصود إذ غاليا ما يكون موضوع اللوحة فردا واحدا أمام امتداد طبيعي أو جغرافي  يفرض الصمت ويدعو إلى التأمل وفي الوقت نفسه تلاحظ حركة الجسم الصاخب الذي يمتلئ بالحياة. 

لا أعرف لماذا شعرت أمام بعض اللوحات بمشاهد مسرحية وتذكرت رمزية المرأة في السد لمحمود المسعدي كما حضر قوستاف كليمت رغم نصف عراء نسائه ..ماتخلص إلى قوله إن لوحات الصادق الماجري تثري الرصيد التشكيلي للبلاد التونسية وتفتح بابا
لضرورة الاهتمام بهذا الفنان الذي لم ينل حظه من الدراسات النقدية التي تضعه في المكان الذي يستحق.

الصورة الجماعية أرشيف الفنان محمد صمود
الصمر الاخرى عدسة مهى المي


تعليقات