جائزة البنك التونسي : النص المسرحي العربي

   
جائزة أبو القاسم الشابي
                  كلمة حول النّصّ المسرحي العربي
نحن نتساءل ويتساءل غيرنا أيضًا عن فنّ المسرح العربي وعن أوضاعه وانجازاته وعن مصيره منذ أن أطلّ علينا القرن الحادي والعشرون، بل تساءلنا في الحقيقة عنه قبل ذلك بعدد من السّنين، منذ حرب الخليج ثمّ تلتها الحرب الثّانية وعقبتها جرائم الإرهاب البشع، كإنذار شؤم لهذا المسرح العربي الّذي برز للوجود في كنف السّنوات السّتّين وبدايات السّنوات السبعين من القرن الماضي.
وكبار المسرحيين العرب من المغرب إلى الخليج عازمون على استئناف الابداع من تأليف وإخراج وتمثيل وعرض بحضور الجماهير، كلّفهم ذلك ما كلّفهم من الاتعاب من جرّاء نقص في التّمويل والإنتاج، وإخلال بالدّعم المعنوي والمادي، وتعطيلات لبرمجة العروض. وقد تذكّروا المسرحيين العرب الّذين رفعوا التّحدي غداة استقلال جزء كبير من المغرب العربي لأنّهم ثاروا على عهود فقدان الحرية وانعدام العزّة والكرامة، وأيضًا غداة ارتفاع الوعي التّاريخي - كارتفاع النّسغ في كيان الشّجرة - عند الفرد والجماعة خلال الجزء الآخر من العالم العربي، فلم يأخذوا من فنّ المسرح الغربي بقديمه التّاريخي وحاضره، لا الموضات الفكرية والتّقليعات الفنيّة الّتي كانت تهتزّ لها باريس ولندن ورومة وبرلين ومونيخ والفرق المسرحيّة العربيّة الخاضعة والمولّى عليها من قبل الغرب، لم يأخذوا إلاّ ما يعزّز نظريتهم وما يدعّمها، وكأنّهم كانوا يبحثون عمّا يُؤَصِّلُ  ما يريدونه فنًّا عربيًّا على أركاح العالم العربي لمخاطبة شعوبهم، والعناية بواقعهم وبقضاياهم كالحريّة والمساواة السّياسية والاجتماعية والهُويّة والتراث والمصير.
وجملة هذه التّساؤلات عن المسرح العربي هي على نوعين: تساؤلات نقديّة إيجابية في أغلبها الأعم مع ما يستشفّ منها من ثقة بالجيل الشاب الجديد الّذي سينهض بفن المسرح ويحمله في عقله وقلبه وباختصار في كيانه. وذلك رغم الكبوة الّتي أصابته خلال العشريات الأخيرة من السّنين. وكذلك النّصّ المسرحي المحرّر باللّغة العربية فلا بدّ أن ينبعث قويا، عميقًا، إنسانيا شاملاً.
أمّا التّساؤلات الثّانية فإنّها انتقادية، وأحيانًا مُرَّة، لأنّها تجريحية بلا خشية. وإنّها تدّعي أنّ المسرح عندنا اليوم يجتر المسرح العربي الّذي بدأ يبرز في السّنوات الستّين والسّبعين اجترارًا مخجلاً. وهو عاجز كلّ العجز عن تقديم إضافة فكرية وفنيّة مهمّة في مستقبل الأيّام، فكأنّه قال كلّ ما يريد أن يقوله ويفكّر فيه، وكأنّ روح المغامرة الفكريّة والفنيّة الّتي دفعت الابداع المسرحي إلى الإمام، إلى التّقدم، إلى احتلال منزلة بارزة بين مسارح الأمم قد ذهب ريحها وانطفأت أو تكاد، علمًا بأنّ فنّ المسرح - بل كلّ فنّ - يحمل دائمًا في طيّاته مشروعًا على طول السّنين الآتية فلا تنفد طاقته ولا يزول. وقد مال الكثير من أهل المسرح العربي إلى المواضيع البسيطة، السّطحية، الخفيفة، وهمُّ البعض منهم إحتلال مكانة مرموقة في المؤسّسات مع ما يترتّب ذلك عن الحصول على الاحترام والتقدير والمال كالمسؤولين القدامى عن فرق كرة القدم الّذين تمّت إحالتهم على المعاش كرة القدم عوض أن يبدعوا نصًا عربيًّا عظيمًا أو إخرجًا مبتكرًا عظيمًا لم يسبق إليه سابق أو تمثيلاً يخرج عن الإِلْفِ والعادة المقّرّرة في كليات المسرح، وتتوفّر فيه الطّرافة المركّزة والمذهب الفنّي الوثيق، والرّؤيا الصّافية دون النّجوميّة المريضة ودون الاطمئنان المخدّر للفكر الخلاّق على ما تعودوا به من نجاح وتصفيق الجماهير!
من واجبنا قول هذا الكلام. فعسى أن ينهض إبداع المسرح العربي، ولا سيّما إبداع النّصّ بوصفه أوّل عناصره المكونة له والمرتكزة عليه لا آخره. ويحلو القول للبعض من المتمسرحين: النّصّ آخر ما يفكّر فيه رجل المسرح والمخرج والممثل.
نحن نترقّب منكم مشاركتنا في هذا اللّقاء الفكري مثلما نترقّب وجهات أنظاركم وآراءكم.
ولهذا، قررنا أن تكون هذه الدورة 2019 خاصّة بالنّصّ المسرحي باللّغة العربيّة، لم يقع إخراجه ولا عرضه من قبل، ولم يقع ترشيحه لنيل جائزة عربيّة أو أجنبية غير جائزة أبو القاسم الشّابي، مع أنّ الكاتب المسرحي إنّما هو حرّ في تصرّفه في اللّغة العربيّة الحديثة وفي اختيار الشكل الجمالي لعمله الإبداعي وفي اختيار مطلق للموضوع. والجائزة تفضل الابداع الخيالي لا الإقتباس من التاريخ بحذافيره ولا نقل الواقع المعيش بكل جزئياته.
وأهلا وسهلا ومرحبًا بكم.
                                               عزالدين المدني
                                       رئيس جائزة أبو القاسم الشّابي

للإتصال تليفون: 00216. 70.025.628
تليفون كاتب عام الجائزة الأستاذ ساسي حمام: 53.529.192
مايل: prixchebbi1984@gmail.com

تعليقات