أمراض السينما التونسية


امراض السينما التونسية

بقلم : لسعد بن حسين
لا احب التحقيب التاريخي للابداعات الفنية سواء كانت أدبية او تشكيلية او مسرحية اوموسيقية ، لذلك وانا اتحدث عن السينما التونسية في هذا المقال لا بد ان اوضح منذ البداية ، اني سأتحدث بشكل عام تتداخل فيه فترة البدايات بالفترة الموالية لها ثم بفترة ما " بعد الثورة " التي يعتبرها البعض فترة زاهية تطور فيها هذا الفن كما وكيفا وادارة ( بعث المركز الوطني للسينما والصورة )، لكني اعتبرها فترة تسير على نفس  وتيرة الفترات السابقة لها ، وربما تشهد امراضا جديدة تؤثر على هذا القطاع .
قد يبدو للوهلة الاولى ان السينما التونسية بخير ، فبلادنا من أكثر البلدان في افريقيا والوطن العربي تنظيما لمهرجانات الفن السابع ، وينشط سينمائيونا من مختلف الأجيال في انتاج أشرطة جديدة تخييلية ووثائقية يجوبون بها مهرجانات العالم ، وبعضهم يحصد الجوائز هنا وهناك ، لكن السينما التونسية في الواقع تعاني من امراض كثيرة ، سنحاول في هذا المقال الكشف عن اخطرها ، لعل وعسى .
المرض الاول : تعدد القبعات
لعل أسوأ ما تعيشه السينما التونسية هو عدم احترام المهن السينمائية ، وضرورة ان يقوم كل مختص بجزئه الخاص من العمل السينمائي ، اي ان يتولى المنتج مهمة الانتاج والمخرج مهمة الاخراج والسيناريست مهمة الكتابة والمركب مهمة التركيب الى اخره .
ففي تونس تسعون بالمائة ( ان لم تكن النسبة ارفع ) من المخرجين لديهم شركات انتاجهم الخاصة بهم ، شركات انتاج لا تتوفر احيانا على مقر قار  ولا نراها تنتج لمخرجين اخرين غير صاحبها ، ولا يكتفي السينمائي التونسي بالجمع بين هاتين الوظيفتين بل يردفهما بثالثة في غاية الاهمية وهي كتابة السيناريو رغم ان بعضهم لا يعلم شيئا عن الادب التونسي والعالمي ، وبعضهم ربما قرأ عن طريق الصدفة بعض روايات نوبل ، سينمائيون يستسهلون الكتابة ولا افق سردي لهم لا حبكة ، لا بناء واضح للشخصيات ، ولا تشويق فيما يحبرونه ، ولو استثنينا بعض المخرجين المعروفين باتقانهم لكتابة السيناريو ( النوري بوزيد ، سلمى بكار ، الناصر القطاري{ في شريطه الاول السفراء } فريد بوغدير { رغم المضامين المغرقة في الذاتية } .... ) فان اغلب السينمائيين الاخرين اضروا افلامهم بعدم التعويل على كتاب سيناريو ، لذلك تخرج افلامنا بلا طعم ولا رائحة وبمواضيع عادة ما تتعلق ببعض الأوهام والوهامات الخاصة بهؤلاء المخرجين ، ولعل النجاح النسبي لبعض افلامنا  نتج عن احترام الاختصاصات المختلفة لانجاز شريط سينمائي  .
ويتعلل مخرجونا بغياب كتاب السيناريو في بلادنا وهذا دليل على جهلهم باهل المهنة وبالمؤلفين الجيدين ( وهم كثر ) ، وشخصيا اعتقد ان المسالة لا تخرج من اطارين ، الاطار الاول يتعلق بالسرية ، فمخرجونا يعتقدون أن الافكار المولدة لأفلامهم عظيمة ووجب التكتم عليها حتى لا يسرق فكرتهم " الماسية " مخرج اخر ، فيتولون هم كتابة السيناريو لانهم لا يثقون في عدم افشاء كاتب للسر ان لجأوا اليه .
والاطار الثاني يتعلق بالجشع ، فالمخرج / المنتج يتقن حسابات التجار الصغار ، ويجعل الحسابات المادية فوق كل اعتبار ، فعوض ان يدفع أتعاب كاتب سيناريو يحبر هو سيناريو الشريط ويكسب دخلا اضافيا  الى جانب دخله كمخرج .




اما اذا عجز عن الكتابة فحينها يلجأ لكاتب ، ويتعمد ان لا يمضي عقدا معه او يعلمه بوقاحة غريبة انه سيستعمله ك " عبد " اي ان لا يذكر اسمه في جنيريك الفيلم ، وحتى ان دفع له مقابلا ، فهو زهيد  وبعد تلكؤ شديد .
لذلك لا استغرب من رؤية خانة السيناريو في ملصقات بعض افلامنا تحمل اسم زوجة المخرج ( رغم ان لا علاقة لها بالكتابة ) او اسمه هو ( رغم ان النص الاصلي لغيره )  والمشكلة ان هذه الظاهرة تفشت حتى عند بعض المخرجين الشبان الذين يفترض ان يحملوا لواء هذا الفن في السنين القادمة ، وان يكون وعيهم أكبر بحقوق التأليف .
ولا بد في هذا الاطار من الاشادة بالمخرجة سلمى بكار التي تتعامل في كل شريط لها مع كاتب تونسي ففي شريط حبيبة مسيكة عولت على المرحوم سمير العيادي ، وفي شريط خشخاش اشتغلت مع الكاتبة عروسية النالوتي وها انها في شريطها الجديد تتعامل مع المؤلفة المتميزة امنة الرميلي .
بعض المخرجين يعمدون حتى للظهور في افلامهم كممثلين ، وهذا طبعا " كاشي " اضافي و سعي وراء نوع من الوجاهة لم يستطع تحصيلها كمخرج .
ولعل القوانين الجاري بها العمل في بلادنا واهمال وزارة الثقافة لمهنيي قطاع السينما وخاصة كتاب السيناريو وراء تفاقم هذه الظاهرة ، فالى الان لا تعترف مصلحة السينما بهذه المهنة ولا تسند لأصحابها بطاقة احتراف .
كما ان لجان الدعم السينمائي لا تشترط عقدا مع كاتب السيناريو وهذا يشجع المخرج / المنتج على كل التجاوزات الممكنة ، ولو كان لنا قضاء مختص في هذا المجال لما خرجت عشرات الافلام التونسية الى قاعات العرض .
وأعتقد جازما ان مخرجا يتولى كل هذه المهام ( دون ان ننسى مهام امانة المال والمحاسبة ...) هو سينمائي فاشل ضرورة لانه لا يحترم مهنته ولا اهلها ، فالمخرج المحترم  يعرف حدوده ولا يعتدي على غيره من المهنيين .
المخرج التونسي يملك رأسا واحدة ، لكنه يعمد الى وضع قبعات كثيرة وهذا ما اعتبره المرض الرئيسي للسينما التونسية .
يتبع

تعليقات