مناقشة هادئة لكتاب الحداد وبورقيبة

بقلم : محمد المي

عن دار سوتيميديا صدر كتاب جديد للدكتور محمد لطفي الشايبي وسمه بالحداد وبورقيبة معركة السفور واللقاء المؤجل  (1924 _1956 ) يمتد على 142 صفحة ونظرا لأهمية الكتاب ومكانة مؤلفه وهو جامعي ومؤرخ أريد أن اخوض في مناقشة بعض ما جاء في هذا الكتاب

لقد لفت انتباهي ماورد في الصفحتين 10 و11 حيث أورد الدكتور الشايبي مايلي قوله :

اتخذ الشيخ عبد العزيز الثعالبي المفكر الحر le penseur libre  الذي لزم تونس طيلة مدة الحرب "قهوة التوتة" بالحلفاوين مركزا لبث أفكاره الإصلاحية و" مكان التقاء طلبة جامع الزيتونة والشبان الذين يتعلمون بالخلدونية وأبناء المدارس وفيها تواصلت النقاشات والجدال حول المسائل الشرقية والحوادث السياسية والأفكار الفلسفية وطرق الإصلاح وكل ما كانت تورده الشرقية من أخبار وكان من ضمنهم الطالب الزيتوني،  الشاب الطاهر الحداد المنبهر بأفكار الثعالبي الجريئة . ونلمس هذا الخيط الرابط بين الطاهر الحداد ومسألة تحرير المرأة التي تناولها مباشرة بعد انتهاء الحرب عبر صحف " الصواب " و " الأمة " و" لسان الشعب " ناسجا على منوال المفكر الحر محامي الشيخ الثعالبي "سيزار بن عطار "

هذا الكلام يستدعي التوقف والمراجعة لأننا إذا سلمنا به سنسلم بنتائجه .

يشير الدكتور لطفي الشايبي إلى أن علاقة الحداد بالثعالبي تكونت بين سنتي 1914 و1918 وهذا جائز بدليل وجود الحداد ضمن الهيئة التأسيسية للحزب الحر الدستوري وكان مكلفا بالدعاية والإعلام وبرزت كتابات الحداد الأولى في جرائد الأمة ومرشد الأمة وأفريقيا وفي تلك الكتابات وهي مجموعة ومنشورة لا نجد الحداد يثير فيها مسألة المرأة من قريب أو بعيد بل كانت كتاباته في تلك الفترة تشهيرا بسياسة الاستعمار وفضحا لممارساته ثم تعريفا بالحزب الدستوري وجملة أنشطته وبرامجه. ..الخ
ولو كانت هناك مناقشات بين الحداد والثعالبي حول مسألة المرأة  لانعكست على المقالات ووجدنا صداها يتردد بين الأسطر والى حدود هجرة الثعالبي عن تونس سنة 1923 لم يتطرق الحداد  إلى مسألة المرأة في مختلف كتاباته لذلك نستغرب تعجل الدكتور الشايبي في ربط لقاءات الثعالبي الأولى بالحداد بمسألة المرأة؟ 

العجلة ليست من سمات البحث العلمي ؟

بالنسبة إلى كتابات الحداد حول المرأة  في جريدة الصواب كانت سنة 1928 اي بعد عشر سنوات من الفترة التي يتحدث عنها الدكتور لطفي الشايبي؟ 

لقد كتب الحداد في جريدة الصواب عام 1921 المقالات التالية:
نحن وأخصامنا لدى الرأي العام 1 بتاريخ 15 جويلية 1921
نحن وأخصامنا أمام الرأي العام 2 بتاريخ 12 أوت 19 21 
نحن وأخصامنا أمام الرأي العام _ النتيجة بتاريخ 26 أوت 1921
إلى النهضة!  إلى النهضة !بتاريخ 4 نوفمبر 1921 

ثم انصرف إلى الكتابة في جريدتي الأمة ليكتب 9 مقالات وإفريقيا 2 مقالين ولم يعد إلى الكتابة في الصواب إلا سنة 1925  ...الخ .

وكل هذه الكتابات في جرائد الصواب والأمة وافريقيا ولسان الشعب ومرشد الأمة الى نهاية العام 1925 لا علاقة لها بمسألة المرأة ولا توجد فيها ولو إشارة إلى المرأة وقضاياها ولم يعد الحداد إلى الكتابة في جريدة الصواب إلا سنة 1928 وسبب العودة يشرحه في أول مقال له عن المرأة الصادر بتاريخ 4 ماي 1928  بعنوان : مسألة المرأة 
قال:


" إثر محادثات قام بها الأديب السيد عثمان الكعاك بنادي قدماء الصادقية تحركت أقلام مختلفة في هذا الموضوع. وبعد اتفاقها على لزوم تعليم المرأة والاعتراف بقصورها عن آداء واجباتها في العائلة والمجتمع اندفعت بافاضة في مسألة حجابها وسفورها وأيهما الأصلح لها"

إذن القادح الذي جعل الحداد يكتب عن المرأة هو محاضرات عثمان الكعاك عن المرأة في جمعية قدماء الصادقية وما اثارته تلك المحاضرات من تفاعل في الصحف .
فلماذا إقحام الثعالبي وسيزار بن عطار وتأثيرهما على الحداد وخلط من هذا القبيل لا يحسن بمؤرخ "ثبت" فضلا عن التعجل المذموم ؟

هذا التعجل من الدكتور  " المؤرخ" لطفي الشايبي  يخفي موقفا وينبئ بأمر خبيء
اقول ان أمرا خبيئا وراء تسرع الدكتور لطفي الشايبي في ربط قضية المرأة بتأثر الحداد بالثعالبي قبيل هجرة الثعالبي للشرق لأنه لا وجود لما يؤكد هذا الكلام لا في الجرائد ولا في الوثائق ولا في الكتب التي تصدت لتناول علاقة الحداد بالثعالبي.
بل الأغرب أن توفيق  الشايبي ذهب إلى أكثر من ذلك وتحدث عن تأثر الحداد بمحامي الثعالبي وهو اليهودي التونسي سيزار بن عطار؟

من هو سيزار بن عطار ؟

سِيزَار بن عَطّار ( César Benattar) كاتب تونسي يهودي ولد عام 1886 وتوفي عام 1937 .
امتهن المحاماة. نشر مع عبد العزيز الثعالبي والهادي  السباعي  عام 1905  كتابًا  باللغة الفرنسية عنوانه  «روح التحرر في القرآن » ( L’Esprit libéral du Coran).

نشر عام 1923 بباريس  كتاب «البلد تحت الضوء»  باللغة الفرنسية  ( Le Bled en lumière)، وهو مجموعة من القصص التي تحكي أساسًا عن التراث الشعبي لليهود  في تونس . كما كتب دراسة بعنوان «المستوطنات اليهودية في تونس» ( Les colonies israélites de Tunisie) التي نشرت في كتاب «تاريخ مدينة تونس» ( Histoire de la ville de Tunis) لروجيه ديسور (Roger Dessort) عام 1926 . كتب، في العام التالي، قصة  باللغة الفرنسية  عنوانها «السينما في الجحيم» ( Le cinéma aux enfers) الذي يقيّم فيها الحماية الفرنسية في تونس ذكر  فيها شخصيات مثل  خير الدين باشا ومصطفى خزندار ولافيجري. .الخ .
اولا كما ذكرت لا توجد وثيقة واحدة تشير إلى هذه العلاقة من بعيد او قريب فضلا عن التأثر .
ثانيا الحداد الزيتوني لا يحسن القراءة بالفرنسية حتى يطالع ما كتبه سيزار بن عطار  ويصل به الامر الى درجة التأثر والكتاب الوحيد الذي شارك في تحريره سيزار بن عطار مع الثعالبي بالفرنسية هو روح التحرر في القرآن سنة 1905 وليس لدينا مايفيد اطلاع الحداد عليه إذ لم يشر إليه في اي مقالة من مقالاته ولم يذكره في كتاب امراتنا في الشريعة والمجتمع.
ثالثا الفصل المتعلق بالحجاب ينسب إلى الثعالبي لأنه يتناول مسائل تتصل بالفقه والقرآن وحرره الثعالبي وترجمه الهادي السباعي وراجعه لغة سيزار بن عطار. فإن جوزنا اطلاع الحداد على هذا الفصل  (وهو بالفرنسية والحداد لا يعرف الفرنسية ) فان الحداد تأثر بالثعالبي لا بسيزار بن عطار.

لماذا يعمد لطفي الشايبي إلى محاولة الايهام بأن الحداد قد تأثر بسيزار بن عطار إذن؟ 
ولماذا لم يظهر تأثر الحداد الذي يزعمه لطفي الشايبي في كتابات الحداد إلى حدود سنة 1923؟  ولم نطالع مقالا أو قصيدة يتحدث فيها الحداد عن الحجاب أو المرأة؟  

لنا عودة

تعليقات