مراجعات على الوافي

مراجعات على الوافي

بقلم الدكتور المنجي الكعبي

كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي، من أعظم كتب التراجم في الثقافة الإسلامية، وتضاهيه في الأهمية لعدة عصور كتب كثيرة، منها كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، وكتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي، وكتاب تاريخ الإسلام للذهبي، وكتب أخرى خصها أصحابها لتراجم الأعلام في علم من العلوم، أو لتراجم الأعلام في بعض الأقطار دون بعض، ومنها معاجم أعلام شارك في وضعها أجيال من المؤلفين من أسرة واحدة.

وتتميز حضارتنا الإسلامية دون أغلب الحضارات بكثرة كتب الطبقات والمعاجم من هذا النوع وغيره، وبعضها خاص بالنساء، وبعضها الآخر خاص بذوي الصفات المميزة والحرف ونحو ذلك. وهو علم ولَع به المسلمون في كل عصر من عصور الإسلام. ويقوم هذا العلم على التعريف بالعلماء والكتاب والشعراء وغيرهم من المشاهير في زمانهم أو لغير زمانهم؛ فينسبونهم في أقوامهم ويردونهم الى مذاهبهم في الفقه والعقيدة ويذكرون تواريخ ولاداتهم ووفياتهم، والأحداث الهامة في حياتهم، والعلم الذي اشتهروا به، ويعددون أشياخهم وتلاميذهم ويسمّون مؤلفاتهم، وينقلون من جوامع كلامهم شعراً أو نثراً. وهو الفن المعروف اليوم لدى الغربيين بفن البيوغرافيا (الترجمة أو السيرة الذاتية) والبيوببليوغرافيا (الترجمة ومصادرها).

وبعض هذه الكتب يستغرق أحياناً العشرين والثلاثين جزءاً. وقلّ من تولى من أصحاب الجهود الفردية إخراجها بوسائل الطباعة الحديثة أو وفّق الى ذلك وحده. ولذلك نهضتْ هنا وهناك مؤسسات عربية وأخرى أجنبية جعلت من أهدافها تحقيق ونشر مثل هذه الأعمال الكبرى. ومن هذه الكتب كتاب الوافي بالوفيات للصفدي (٦٩٦-٧٦٤ هـ).

فهذا الكتاب مثلاً يعود الفضل الى المستشرق الألماني ريتر، بنشر القسم الأول منه منذ وقت مبكر. فقد ظهر في "النشرات الإسلامية" ببليوتيكا إسلاميكا، عام ١٩٣١ (وأعيد طبعه في ١٣٨٢هـ /١٩٦٢م وطبع طبعة ثالثة عام ١٤٠١هـ/١٩٨١م). ثم توزعت جملة أقسام كتاب الوافي بالوفيات، وهي ثلاثون قسماً على عدد من المحققين، وأكثرهم من عالم الاستشراق وقليل منهم عرب. وظهرت الى حد الآن أقسام كثيرة من الكتاب وظل بعضها الآخر قيد الإعداد، وبعضها تأخر تحقيقه بيد أصحابه أكثر مما ينبغي. وهو السر في عدم توافق تاريخ نشر معظم أقسام الكتاب مع ترتيبها العددي. فمثلاً هذا القسم الذي ننظر فيه الآن في هذه المقالة، وهو القسم الثامن والعشرون من الوافي، نشر عام (١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م) في حين نشر القسم الذي قبله قبل سبع سنوات (١٤١٨هـ/١٩٩٨م).
و"النشرات الإسلامية" التي أسسها هلموت ريتر Hellmut Ritter كما قلنا يُصدرها لجمعية المستشرقين الألمان كل من (تيلمان زايدنشتيكر) Tilman Seidensticker و (منفريد كروب) Manfred Kropp، يبلغ عدد ما ظهر منها الى حد الآن ستة وأربعون كتاباً، كما تبينه القائمة المنشورة بآخر هذا القسم. ومعظم ما نشر في هذه السلسلة المهمة كتب تعتبر من أمهات التراث الإسلامي، وعدد كبير منها يقع في مجلدات كثيرة العدد، وتشمل مجالات التاريخ وتراجم الأعلام وعلوم الفقه والشريعة وعلوم العربية ودواوين الشعر والأدب.

وبعضها نفد، وهو الكثير، وبعضها طبع أكثر من مرة. وكل هذه الكتب تطلب من دار النشر "كلاوس شفارتس فرلاغ" ببرلين. كما هو مبين على غلاف هذا القسم من كتاب الصفدي، مع الإشارة في داخل الغلاف الى أنه "طبع على نفقة الجمعية الألمانية للبحث العلمي ووزارة الثقافة والأبحاث العلمية التابعة لألمانيا الاتحادية بإشراف المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت، في مطبعة مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان".

❊❊❊

ومحقق هذا القسم من كتاب الصفدي هو الأستاذ إبراهيم شبوح، الباحث المعروف في الآثار الإسلامية، المدير العام لدار الكتب الوطنية بتونس سابقاً، ومدير عام مؤسسة آل البيت (الهاشمي الأردني) للفكر الإسلامي بعمان حالياً.
ومن الصعب على كل مراجع لأعمال الأستاذ شبوح التعليق على جزئية من جزئياتها قبل التفكر فيها ملياً، لدقته المعروفة ومراجعاته الكثيرة لعمله قبل إظهاره. ولذلك، فوقفاتنا عند مواطن محددة في عمله هي مجرّد وقفات للتحقيق، أو هي تحقيق على تحقيق، لاستكناه قراءة مشكوكة في النص، أو توضيح غموض في مواطن بعينها، لإشكال فيها من ناحية التعبير أو بسبب اختلاف النسخ، أما الأخطاء القليلة التي وقفنا عليها في الكتاب فقد يدّخرها المحقق لطبعة لاحقة، مثلُها مثل بعض الملاحظات المتعلقة بالمنهج والتقديم.
وسنمضي في الكتاب كمن يتصفّحه للخروج بمعلومة نادرة أو فكرة طريفة أو تعبير متميز، مصححين ما بدا لنا في الأثناء غير صحيح من الألفاظ والكلمات، أو له وجه أصح مما تقدّم به المحقق، دون أن نستقصي هنا توقفاتنا الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها كلها في هذا المجال المحدود، المقصود به فقط التأكيد على ضرورة مراجعة المخطوطات المحققة سابقاً، طالما أصولها لا تزال على قيد الوجود، والتي تبقى مهما تكن الأقلام التي تناولتها بالتحقيق أو تعقبتها بالتعليق في حاجة لتصحيحها لتكون بحق صورة مطابقة للأصل أو للأصول التي صححها مؤلفوها بأيديهم أو النسخ التي أجازوا نقلها عنهم.

❊❊❊
وأول ما يلفتنا في عمل المحقق على هذا المجلد هو "التذييل" (ص٥٥٠-٥٥٥) الذي ذكر فيه ما يبرر طول عنايته بالكتاب، وأشاد فيه بالفريق من العلماء والباحثين، المتكون من سبعة أسماء، الذين قدّموا له يد المساعدة لإتمام العمل في هذا الكتاب حتى ظهر بالمستوى الذي ظهر به. فأكثر من عشر سنوات بين يوم تكليفه بالعمل في هذا المشروع وبين يوم استئنافه للعمل به بعد انقطاع دام طول تلك المدة، لا يعطينا فكرة دقيقة عن الأيام أو الشهور التي، بالأخير، استغرقها المحقق والفريق المرافق له في إخراج هذا العمل بالصورة التي عليها. فليس كل عمل تتوفر له عادة مثل هذه العناية المزدوجة بين القائم به وبين فريق كبير مساعد، لتحديد الجهد الذي قد يكون قام به كل منهم والحكم له أو عليه.
وثاني ما يلفتنا في هذا التذييل استغراب المحقق من طريقة المؤلف في تقسيم كتابه، فقد أوضح لنا أن هذا الجزء، كما يقول: "لم تكتمل فيه بقية تراجم يعقوب الخمسة التي ضمّها الجزء التاسع والعشرون الى جانب بقية حرف الباء". وهذا الانتقاد من المحقق للمؤلف في تقسيم كتابه بالطريقة التي رآها أنسب، يجعلنا نفهم أن الصفدي لم يعتن بتقسيم كتابه كما كان ينبغي، بحيث لا تبقى في جزء من أجزائه بقية من حقها أن لا تكون في الجزء الموالي. ونحن نعجب من هذا الانتقاد من جانب المحقق، لأننا لا نرى المؤلف إلا وقد راعى في تقسيمه أن تكون مجلدات كتابه متقاربة الحجم لا أكثر، لعلمه بأن التراجم في سائر المجلدات مرتبة بطبيعتها ترتيباً هجائياً، وأنه قد توجد في بعض الحروف تراجم أقل أو أكثر من غيرها في حروف أخرى، ولذلك حسب حسابه من هذه الناحية فلم يُفرد كل مجلد بتراجم على حرف معين من حروف الهجاء، ولم يتقيد بسوى العدد الجملي من التراجم الذي رآه أنسب للمجلدات الثلاثين التي قسم اليها كتابه.
وهذا الانتقاد غير الوجيه كما رأينا، الذي انتقده المحقق ربما أغراه بالتجرئ على المؤلف في موضوع الأخطاء النحوية واللغوية وغيرها التي تمثّلها في عمله، الى حد وصفه بالعجلة في بعض المواطن كما سنرى. وهناك مسائل منهجية وعلمية عديدة يمكن مراجعة هذا التحقيق على ضوئها. ودون تعديدها، لأننا سنأتي اليها بعد قليل في محالها، نكتفي هنا بالإشارة اليها فيما يلي:
أ‌) المسائل المنهجية:
١ - الزيادات بين معقّفين في النص. وهذه الزيادات لا موجب لها في أحيان كثيرة، وإقحامها في النص لا يغنيه، بل بالعكس يفقده أصالته ويدخل الاضطراب على أسلوب مؤلفه والضيم على اختياراته فيما ينقل من مصادره وما لا ينقل. والإشارة في الهامش الى ما هو زيادات في المصادر التي رجع اليها المحقق كان كافياً.

٢ - إبدال ما في الأصل أحياناً بما في المصادر، ونقل ما في الأصل الى التعليق بالهامش مخالف لأصول التحقيق، خاصة إذا تعلق الأمر بصيغة مختلفة لاسم معين، قد يكون لتلك الصيغة وجه في مصادر دون مصادر. وإثبات ما في الأصل والإشارة الى خلافه في الهامش هو الأنسب، أو حتى تصحيح الأصل على مقتضى ما يعتقد أنه الأصح، ولكن دون حصره بين معقفين وكأنه زيادة لنقص في الأصل.
٣ - غياب صورة من المخطوطين أو الثلاث التي كانت محل الاعتماد عليها. فالصورة أبلغ من الوصف باللفظ الذي نجده في "التذييل" عن هذه المخطوطات.
٤ - هناك مصادر نقل منها الصفدي ليس فوقها خط مستقيم على عادة ما جرى عليه الأصل المعتمد.
٥ - تقديم "ثبت مصادر ومراجع التحقيق" قبل "فهرس أصحاب التراجم"، والعكس هو الأوْلى، لأن "فهرس أصحاب التراجم" جزء من الأصل، بينما "ثبت المصادر.." هو جزء من عمل المحقق ولا يأتي إلا في آخر الكتاب.
٦ - دقة التثبت من منهجية المؤلف لعدم نسبة السهو أو الخطإ اليه أو الى الناسخ عند وجود إشكال في النص، ففي مواضع نجدك لا تساير كلام المؤلف في سائر تأليفه فتحمله على الخطإ، كما في ص١٠٤ التعليق رقم ١.
٧ - الربط بين الكلام ينقطع بنظام الفقرات عندما لا يراعى ما بين الكلام فيها من ربط يجعلها تبدأ في أول السطر التالي، ولكن دون أن تظهر في شكل فقرة جديدة بالنسبة لما قبلها، وخاصة عندما نجد ما قبلها يمهد لمقول القول بعدها، كالتالي: "ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه: قد تقدّم الخصم.. الخ" (ص١٠٨ س٦). فعبارة "قد تقدّم الخصم .." لا يمكن أن تكون في رأس فقرة مستقلة. فقط يمكن أن تكون في أول السطر التابع للفقرة السابقة إذا أردنا تمييزها باعتبارها مقول لقول متقدم. ومثله كذلك: "فزعم ابن شمس الخلافة أن هذا البيت له..." (ص٢٥٥ س٥)، فهذه العبارة لا يمكن أن تكون رأس فقرة.
٨ - يأتي المحقق أحياناً دون أحيان بمعلومات مستفيضة، في حين نفتقد مجرد الإشارة الى معلومات ولو مختصرة مثلاً عن مؤلفات للصفدي نفسه يذكرها في الأثناء ويحتاج القارئ الى بعض البيانات عنها، ككتابه "التذكرة"، لأن المحقق لم يعرّف في "التذييل" بالمؤلف ولو على بإيجاز.
٩ - وبالنسبة للفهرس الذي وضعه للمصادر والمراجع، التي اعتمدها لتحقيق نص هذا الجزء، كان الأفضل ترتيب ما هو منها مصادر الصفدي بحسب التسلسل التاريخي على حدة، لأنه الأفيد من سوقها على الترتيب الهجائي ضمن مراجع التحقيق. ولأن القارئ سيحقق فائدتين، فائدة الرجوع اليها بحسب تواريخها، وفائدة الاطلاع عليها مطبوعة أو مخطوطة أو مفقودة في الفهرس العام للمصادر المرتب هجائياً.
والمفقود أكثر من هذا العمل هو فهرس للتراجم بحسب عناوينها في الكتاب أي بأسماء الشهرة لها، كالكندي الفيلسوف. لأن الفهرس الموجود لها بحسب النسب الأصلي، أي الاسم الأول واسم الأب واسم الجد والكنية، فلا يسد الحاجة عن الفهرس بالمعنى المطلوب؛ وإلا، فمن يعرف الأمير الصنهاجي يحيى بن تميم باسم "يحيى بن تميم الحميري" حتى يبحث عنه تحت هذا الاسم في الفهرس الأبجدي لأسماء الأعلام، كما وردت في مفتتح تراجمهم، في حين الشهرة هي العنوان المميز لهم على طول هذا الكتاب؟ فما كان أحْرانا بفهرس بحسب أسماء الشهرة الى جانبه لتحقيق الاستفادة القصوى منه، للولوج الى تراجم هؤلاء حسب مسمياتهم المشهورة. فمن يعرف "يعقوب بن اسحق بن الصباح"، حتى يبحث عنه ليجد "الكندي الفيلسوف"، مترجماً له في هذا الجزء من كتاب الوافي؟ ومع ذلك فهذا الفهرس الموجود باسم "فهرس أصحاب التراجم" هو مجرد محتوى لما جاء في الكتاب من تراجم ولذلك فهو بالمحتوى أصح منه بالفهرس. وإلا فلماذا عنون الصفدي بعنوان مخصوص لكل صاحب ترجمة متحرياً اسم الشهرة المعروف له في المصادر والمراجع.
ومن الفهارس الناقصة في هذا العمل فهرس الأسماء عامة وفهرس الأماكن وفهرس المصطلحات الحضارية، وفهرس آخر مهم جداً وهي آراء الصفدي وأحكامه الكثيرة في أثناء عرضه أحياناً لأخبار وأشعار وكلمات من يترجم لهم. ففي الوافي ثروة هامة كان بإمكان المحقق أن يضع يد القارئ عليها ليستفيد منها، كما سنشير الى بعضها في المقال، دون أن نطالبه بفهرس للأشعار، ما دام أعجزه الأقل من هذه الفهارس كلها التي ذكرناها.

ب‌) المسائل العلمية:
١- تخطئة الأصل في مواضيع لغوية ونحوية وتاريخية.
من ذلك (ص١٩): "وهب بن قيس الثقفي... الطائفي الثقفي". في التعليق على "الطائفي" يقول المحقق: "في الاستيعاب أنه طائي، وهو خطأ"، ونحن نقول له: بل يظهر أن الصواب هو ما في الاستيعاب، أي "الطائي"، لأن ثقيف في الطائف، ويكون من باب التكرار ذكر الطائفي والثقفي، وقد تقدمت نسبة "الثقفي" في أول الكلام.
ومن ذلك أيضاً ما يقوله المحقق (ص٣١) تعليقاً على "[الألقاب] فقد استغرب ورود الكلمة بلفظ الجمع "الألقاب"، وفي ذلك يقول: "كذا ورد اللقبان في الأصلين (المخطوطين) على هذا الترتيب، وموقعهما على الحروف بعد ("وهبان") التالي لهما". ونحن نقول له: ما أوردهما لقبان، أما "وهبان" التالي فهو اسم. وجرى المؤلف على هذا الترتيب في الألقاب الأخرى.
٢- تخطئة النص في مثل قول الشاعر:
"إن فاض دمعك والأحباب قد بانوا * فكلما تدّعي زور وبهتان" (ص٤٣).
ونحن نقول له: والظاهر أن قراءة "إنْ غاض دمعك" أصح حسب سياق الشعر، لأن المعنى فيه: أنه بعد فراقك الأحباب وانتهاء الدمع عليهم تَبين أن كل ما تدّعيه زور وبُهتان.
فما غيّرتَه من المخطوط حين وضعت "فاض" بدل "غاض" قد ضيعت به المعنى المقصود، على أنك صححتَه من وفيات الأعيان؛ ويظهر لنا أن ما في الوفيات هو الخطأ، إذ كثير من الكتب المحققة يعوزها التحقيق من جديد، لأن أصحابها إما عُدموا نسخاً أصح منها أو لم يتبين لهم وجه الصواب في التعبير.
وفي "بيع له في جملة قماشه تسعين" (ص٢٤٣).
علقتَ تحتها بما يلي: "كذا في الأصلين، وصوابه: تسعون". وهذا خطأ نحوي منك، لأنه يقول: ".. في جملة قماشه، تسعين" وهو الصحيح، لأنه تمييز منصوب.
ومثال أخير، قبل أن ننطلق في متابعة النص من أوّله، ما خطّأ فيه المؤلفَ في قوله: "فوقع اختيارهم على أبي زكرياء يحيى هذا، وهو إذّاك كما بقل وجهه، غرّ لم يُجرّب الأمور.." (ص٣١٠).
يقول المحقق: "في الأصلين: إذاك كما بقل..، وبقل وجه الغلام، إذا نبت شعره". ونحن نقول له إن إسقاطك "كما" من النص خطأ منك، لأن التعبير سليم، فقوله: "وهو إذاك كما بقَل وجهه"، بمثابة قوله "شبيهٌ بمن بقَل وجهه"، فالكاف كاف تشبيه و"ما" موصولة.

***

وأكثر توقفاتنا راجعة الى مثل هذه المسائل، لأن المحقق ربما بحكم ظروفه وتكوينه غير المختص في اللغة لم يوفق في قراءة الأصل قراءة مستقلة عن المصادر والمراجع التي كانت توجهه أكثر لتخريج الأخبار والآثار الشعرية والنثرية في مظانها من تلك المصادر، وهذه للأسف كما يشهد العارفون ليست كلها جيدة التحقيق وبعضها أوثق من بعض في نقل ما تنقله من المدونات السابقة. ويظهر أن المراجعين لعمله لم ينتبهوا الى هذه الناحية أو أعوزتهم الظروف للقيام بما نسبه إليهم من مساعدات له كما كان ينبغي.

من هنا دعوتنا الى ضرورة قيام علم مستقل يعتني بتصحيح المؤلفات المخطوطة قديماً والتي ظهرت نشرات منها محققة، ولكن بيّنت التعليقات عليها من قبل علماء وباحثين مشهود لهم بالتحقيق والتدقيق أنها تبقى في حاجة للمراجعة والتصحيح في طبعات أصح وأكمل وأدق.

وأخيراً فمما يلاحظ على هذا التحقيق في هذا الجزء (الثامن والعشرون) من الوافي للصفدي أنه في عنوانه الخارجي على الغلاف جاء على خلاف ما في الأصل، فهو في الواقع ينتهي بترجمة اليزيدي. ولكن المحقق ألحق به ترجمة واحدة وجدها فيما سماها "مسودة" مخطوطة من هذا الجزء، هي ترجمة يعقوب التمار، ووضع عنوانها بالفهرس الذي سماه "فهرس أصحاب التراجم" تحت لفظ "الملحقات"، بالرغم من أنه هو ملحق وحيد ولا شيء غيره. فقد كان ينبغي عليه أن يتمسك بما في الأصلين المعتمدين لديه في التحقيق، كبداية لهذا الجزء وكنهاية له، ولا ينقل اليهما شيئاً من "المسودة"، لأن ما في المسودة كان ينبغي الاكتفاء بوجوده في الملحق الذي رأى أن يلحقه فيه، لاحتمال أن يكون المؤلف أهمل تلك الترجمة لأسباب نجهلها، ولكن علينا احترامه في إخراج كتابه بالكيفية التي بيّضه بها والشائعة في النسخ المنقولة منه.

ومع أن المحقق قد تجنّب وصف نفسه بالمحقق للكتاب ربما استبعاداً لغيره بالمشاركة له في الحقوق، واستخدم بدل ذلك عبارة "باعتناء"، وليس هناك ما هو مصطلح عليه بهذا الاسم ولذلك أطلقنا عليه فيما يلي اسم المحقق.
(يتبع)

تعليقات