التظاهرات الثقافية وحمى الإقصاءات

التظاهرات الثقافية وحمى الإقصاءات

 بقلم / الناصر التومي


تتعدد التظاهرات الثقافية بالبلاد، في كل الأجناس الأدبية تقريبا، رواية، وقصة قصيرة، وشعرا، وفنونا مختلفة، وتتعالى في كل مناسبة أصوات تندد بالإقصاءات والتجاهل لأسماء كانت لها ابداعات قيّمة معترف بها في الساحة الثقافية لمدة عقود، ونال أصحابها جوائز ووقع تكريمهم في مناسبات عديدة، وأغلب هذه الأسماء تجهل أسباب هذا الإقصاء وهذا التجاهل.
تظاهرات تحت إشراف وزارة الثقافة:
تعيينات المشرفين على فضاءات ثقافية من قبل وزارة الثقافة، وخاصة في  بيت الرواية وأيام قرطاج الشعرية، كانت الأشد في الساحة الثقافية، فقد حافظ هذان الفضاءان على نفس الأسلوب والممارسة، بتكرار نفس الأخطاء، بإقصاء نفس الأسماء، ودعوة نفس الأسماء تقريبا، وهذا الأمر يتعلق أساسا بالمشرفين على هذين الفضائين بتعمدهما تغليب المحاباة والجهويات والقناعات الشخصية، وعدم دعوة من انتقدوهما سابقا، إضافة لدعوة روائيين وشعراء عرب أغلبهم ليسوا بجديرين بالدعوة، بينما يقصى أبناء البلد ممن قضوا عقودا في إثراء الساحة الثقافية.
  والغريب أن الكتاب الذين يدعون إلى هذه التظاهرات يكتفون بالحضور وتثمين مجهودات المشرف على هذه التظاهرة دون أن يحاولوا ثنيه عن مواصلة سلوكه الإقصائي، ويرون أنهم لو فعلوا الصحيح فقد يقصون في المناسبات اللاحقة، وقد يتعدى بعضهم إلى الدفاع المستميت عن ذلك المشرف الإقصائي الذي يوليه المشرف اهتمامه في كل مناسبة وحتى في غير مناسبة.
والأغرب أن سلطة الإشراف رغم تكرار تعالي الأصوات المنددة بسلوكيات مثل هؤلاء المشرفين، لا تحرك ساكنا، وكأنما أعطت لهؤلاء صكوكا على بياض للتصرف في هذه الفضاءات كما يحلو لهم، بينما في الواقع هذه الفضاءات ملك عام ، و يصرف عليها من المال العام، ويحق لكل كاتب أن يشارك في فعاليات تظاهراتها ولا دخل للتقييمات الشخصية في الأمر.
تظاهرات جهوية خاصة:

نبتت هنا وهناك تظاهرات ثقافية جهوية، تشعر من خلالها أنها تعتمد هي أيضا تصفية حسابات بين المبدعين، تقصي من رأت أن ذاك الكاتب لم يخدمها يوما، دون أن يعلم أنه ربما المعني أعجز من تقديم المساعدة، وبعضهم يعاملك بالمثل لما لم يقع تشريكه في تقديم مداخلة في تظاهرة ثقافية مماثلة أنت أحد أعضائها فتقع معاقبتك بأن لا تدعى إلى تلك التظاهرة طيلة عقدين، وبعضهم لضغينة مفادها أن ذلك الكاتب لم يحسن تقييم إبداعه في مناسبة ثقافية، والأسباب متعددة ومختلفة للإقصاء أغلبها لا يمت إلى النص بصلة، هذا دون الدخول في الاختلافات الجهوية والإيديولوجية.
ولعلي كنت شاهدا على العصر طيلة ثلاثين سنة، حيث أقيم ظهر دار ثقافة بالمروج ويكرم فيها الكتاب من كامل تراب الجمهورية، وكذلك ببنعروس حيث أدعى إلى حضور هذه المناسبات وأدعى بالمراسلات الورقية وبواسطة الهاتف ولا أكون من بين المكرمين، والغريب أن بعض المحتفى بهم لم يولدوا بعد وأنا قاص وروائي في الساحة الثقافية، و أعلم من وراء ذلك القرار الإقصائي أن شخصا يهيمن على الساحة الثقافية بالولاية لا يستسيغك لله في سبيل الله ربما لموقف كنت فيه على حق وكان هو على باطل.
  المشرف ما هو إلا بشر له نزواته وردات فعله، وأحقاده وضغائنه، وعمله يكون متناغما طبعا من خلالها، وخاصة إذا كانت شخصيته مهتزة، لم تتربّ على المبادئ والفضائل والحيادية والنزاهة، والمثل القائل ـ وإذا كان المهبول ياكل ويبة العاقل يعطيهالو ـ والعاقل هنا هو سلطة الإشراف والمهبول هو هذا المسؤول، كأن تقيّم عمل هذا المشرف إثر كل دورة أو سنة، وتقوّم اعوجاجه حتى يقع تشريك كل المثقفين دون استثناء دون إخضاعهم لتقييمات فردانية غير موضوعية لهذا المشرف أو ذاك، وإن تعذر كبح جماحه، فإسناد مهمة البرمجة إلى لجنة محايدة عرف أعضاؤها بالنزاهة، وبذلك يقع تخليص هذا المشرف من عقده وأحقاده، وتكون بذلك الوزارة قد أنقذته من انحرافاته.

تعليقات