ورقات

ورقات 
                                                      
 إلى فقيد الشعر التونسي "محمد الصغير أولاد احمد"


السّماءُ الّتي أخذته إليها الدّروبُ
 سماءُ البلاد،
 تصاريفُه في التّجلّي
طريقُ الذّهاب إلى أبدٍ في طريقِ "أُحبُّ "
وفي صفة الرّفعِ عند "و نصفُ"،
وأولادُهُ في وصيّتهِ يثأرون له
من هرج الوقعِ عند القدامى
ومن لعبِ النّثر عند الحداثة.
شطرنجُهُ الشّعرُ
ملعبُه في مسارِالمواقفِ
رقرقة حيّة في مدى الصّوتِ.
أولادُ أحمد
لا غيرهُ في آحتدامِ النّقاشِ
يزاوجُ بين الفصولِ
حياةَ البداةِ
وقد خبروا خلجاتِ الوقوفِ على بابهم
 أوحياةَ الّذين يميلون نحو الغروبِ
يصيرون أجملَ عند المساءِ.
يهاتفني صوته
منذرٌ منذري
قل لهم
" البلادُ الّتي ولدتها الحروفُ على جبهة النّارِ
: تونسُ:
أمّي الّتي ولدتني على جبهةِ الضّيمِ
 طيرا يغنّي لها
 تغنّي له،
 مثلَ وجهين محتفلين بماءِ الجنوبِ
 يوقّعُ رقصَ السّباسبِ
ينزلُ من فلواتِ الغوايةِ
كنّا رحى الوقتِ نكتبهُ
ويكتبنا"
قل لهم
" البلادُ الّتي شيّعت آخرَ النصِّ
 عند مغيبِ العبارةِ
:تونسُ:
أوّلةُ الحبِّ
آخرهُ
هيَ
زلزلةُ القحطِ في الحرفِ
إيقاعُ أغنيةٍ في نسيبِ الولادةِ
أجراسها
إذ ترنُّ مدوّيةً في التّجاعيدِ بينَ الفصولِ
 أوفي عناقِ الكلامِ يدورُعلى بعضهِ البعض
(الشّعراءُ..، كتابةُ شعر..ٍ،هنا في بلادي الصّغيرةِ كلُّ الأمورِ تصيرُ بعيدهْ..، أمسَ كنتُ بأمسيةٍ في مدينةِ سوسةَ ..أُفْ قد مللتُ الصّداقات..ماذا سنفعلُ هذا المساء؟ سنشربُ في حانةِ الكروان سيكتملُ الحفلُ في بيتِ قافروجْ..وهل كان في النصِّ ما يثقلُ السّمعَ؟..هل غابَ عطرُ البلاد؟..رصدتُ مفاتيحها..الكتابةُ مثلُ زهورٍ تحبُّ الدّلالَ..إلى آخرٍ أرحلُ الآن.....)
يحدثُ أن تمكرَ الكلماتُ بنا
نرتّبُ ما تناثرَ من دفتر الذّكرياتِ،
يحدثُ أن يصدحَ الهامشُ المتدلّي
على جانب المتنِ
حتّى يصادفنا الضّوءُ يلمعُ بينَ التّفاصيلِ،
 شخصٌ ينامُ قليلا
 يدخّنُ وقتَ القراءةِ
 يفتحُ أشغالهُ عندَ منتصفِ الغيبِ
 أسئلةً تتقاسمُ فيلْمًا
تُجادلُ مسرحةً
أونوافذَ في معبدِ الرّسمِ،
يشرعُ في شحذِ إزميلهِ كلماتٍ عيوناً
 تُرتّقُ ما لا تراهُ العيونُ
 فيغدو سعيدا
كطفلٍ يلاعبُ في الحقلِ قفزَالفراشِ
ويحسنُ فكّ الطّلاسمِ في لغةِ المتكلّمِ :
 كيفَ لهُ أن يُحدّدَ نقطةَ ضعفكَ؟
 النقدُ حيٌّ على شفتيْهِ
بناتُ كلامٍ عن المدحِ والذمِّ
عن شغبِ النصِّ يفتحهُ القارئُ الفذُّ
عن كلماتٍ ذكورٍ
تلقّحُ في الصّمتِ زهرَ القصيدةِ،
 أو قد يريكَ تدقيقَ مفردةٍ
في مقامِ حكايتها
بيانَ زواجاتها في السّياقِ
وكيفَ تصيرُ إلى العكسِ
 حينَ نصرّفها في مقام جديدٍ،
يحاجج فيكَ يقينَ الوصولِ إلى النّبعِ
"الشعرُ أمكنةٌ لا زمانَ لها "
قال
" أزمنةٌ لا مكانَ لها ورعبٌ ينامُ على ندمٍ لم يحن"
لغةٌ تتنفّسُ عيشتها
 "تونسيٌّ دفعةً واحدهْ"
تتعرّى أمامَ غرابتها
 تكشفُ الضّوءَ دون مجازفةٍ
إذ تلينُ وتصرخُ
تفضحُ ما كانَ مستترا
إذ يعانقها في رؤاها الدّفينةِ،
ساحلهُ قدرُ ساحلها.
من أثارَ غبارَ الفجائعِ أيّامَ مقهى الزّنوجِ ؟
: نشيده في ستّةٍ أو جنوبهُ يحتدُّ في الإتّحادِ
 يحيكُ مسيرتهُ
خبزَهُ الحافَّ من جوعِ لفظٍ
 يكادُ يقولُ لقائلهِ
من أنا؟،
 شفتانِ تلوذانِ بالصّمتِ
ترتفعانِ بالصّوتِ
في وجهِ من ظلموا
تغلظانِ وتنخفضان بالحرفِ،
 عينانِ ناظرتانِ إلى الدّربِ
 تستغرقانِ المسافةَ في الحكيِ
:نحنُ آحتمالِ الزّغاريدِ في النّجعِ
 نحن عيد البشارةِ في الغدِ
:شهرينايرَ يطفحُ بالعطر،
أنباءُ ترشيشَ في عالمٍ ميّتٍ،
صلواتها
إذ يسوقُ ثناياهُ نحو مجاري الإضاءةِ
 نصّا بسيطا مليئا
يلائم تونسَ في وجهها
بعضَ مفردةٍ تومضُ البرقَ من سرّ معدنها
حيثُ تطلعُ من قعرِ بئرٍ على مهلٍ
 تتدرّجُ مفتوحةَ العينِ
يحفظها الطّيرُ
 والبسطاءُ
وأطفالنا في البريّةِ،
ساحلُها قدرُ ساحلهِ
نبراتُ نبيٍّ على ضفّةِ الغابِ.
إذ "ليسَ لي مشكلهْ"
حينَ تهربُ منّا القصيدةُ
نبحثُ عنها هنا في القريبِ،
هنا في صباحِ البنيّةِ
في ضحكاتِ الرّفيقِ
وفي نبضِ سيّدةٍ
لا تريدُ سوى الماءِ والخبزِ
مأدبةً لعشاءِ الفقير،
هنا في البعيدِ
على ظفراتِ الكتابةِ
في العمقِ
في قولهِ
"دوري يا أرضُ دوري"
على جنباتِ الغيابِ الحضور،
هنا على مسرحِ الموتِ
 ننتظرُ الربّ حتّى يثور
يعلّمنا الإسم يعلنُ إسمهُ.

أولادُ أحمدَ،
 كلَّ صباحٍ نعودُ إليكَ
نرتّبُ ما لاحَ في أفقِ تونسَ،
الدّربُ دربكَ نُحييهِ زغردةً
 تعتلي صدرها،
 أنتَ من عابثَ الوقت
حتّى آنتفضتَ
وأعليتَ أربعةً من حروفكَ
 حتّى آنتصرتَ على الذّئب  في السّطرِ،
بيضاءَ لاحتْ يدكْ
ونمتْ في المدى
في الزّمانِ
طلائعُ وردٍ على العتبات.
سماؤك قيثارةُ العزف
ترنو تودّعنا الآن
: أولادُ أحمدَ :
تونسُ هذي البلاد،
وصمتُ الحديقةِ،
عزلةُ أنشودةٍ ،
عاملُ البلديّةِ ،
عرسُ الكتابةِ،
حانةُ الإينفارْ..
أمطارُ نيسانْ.

أولادُ أحمد:
أكثرُ من شاعرٍ أنتَ
 أكثرُ من أحبّ البلاد
وأقلّ قليلا
من الشعرِ يغتالُ صاحبهُ
ثمّ يحييهِ أغنيةً في ربيعِ الفصولِ..
هنا آلتقيناكَ يا صاحبي،
 فلْنبدإ الآنَ لحنَ الهطولْ................

منذر العيني 

تعليقات