مراجعات على الوافي (٨ وأخيراً)

مراجعات على الوافي (٨ وأخيراً)
بقلم الدكتور المنجي الكعبي
ص٥٢٨ س٢: تعليقاً على مولاهم "سبك اليشكري" يقول المحقق: "لم يفرده الصفدي بالترجمة كما أشار".
تقصد لم يذكر سبك (أو شبك) اليشكري مولى الصفار، ولكن الصفدي يقصد ذكر من سمّاهم من آل الصفّار الذين تتابعوا على ملك يعقوب بن الليث جد الصفاريين، وهذا مولى لهم، فهو لذلك غير مخطئ في كلامه عندما قال: "وقد تقدم كل واحد من هؤلاء في مكانه من هذا الكتاب".

ص٥٢٩ س٤: "وكان يخطر بباله الشيء فتشتهيه فيُثبته في إحصاء خزائنه فضجّ خازنه من ذلك. وكان يُثبت الشيء ويثبت تحته أنه ليس عنده وإنما أثبته ليكون ذكره عنده الى أن يملكه".
ص٥٢٩ س١٤: "وكان مع ذلك لا يقدر أن يمسك الفُساء إذا جاءه فاتّخذت له دايةٌ مثلثةً؛ (الداية الحاضنة - الأجنبية - والمثلّثة: مزادة مثلوثة من ثلاثة آدم، المثلوثة مزادة تتكون من ثلاثة جلود) فطيّبتْها وتأنقت فيها فلما وضعتها تحته فسا، فقال: ليست بطيّبة، فقالت الداية: فديتك، هذه طيّبة، وهي مثلثة فلما ربّعتها أنت فسدت!
ص٥٣٠: "وذكر أنه تَديّر بغداد" (بمعنى سكن أو اتخذها داراً).
ص٥٣٠: "ابن السكيت" (صاحب الترجمة رقم ٤٠٧) نستغرب أن لا يعلق المحقق على صاحب هذه الترجمة بما سوى قوله: "لم نعرفه". فكيف لم يتوقف للتحقق منه بالمقارنة مع صاحب الترجمة رقم ٣٨١ المتقدم (ص٤٧٤)، واسمه يكاد يطابق اسمه وهو "يعقوب" وكنيتهما واحدة "أبو يوسف". والأغرب أن الصفدي لا يتوقف للإشارة الى سميّه صاحب الترجمة المتقدمة، والمعنون لهما بلقب واحد وهو "ابن السكيت". أفلا يكون في الأمر تساؤل، وربما تساؤل أكثر عن سبب إغفال الصفدي ذكر وفاة ابن السكيت النحوي اللغوي المشهور، خاصة وأنه كما يقال في مصادر أخرى قتَله تشيُّعه.
ص٥٣٠ س٧: "روى عنه ابن السقطي في معجمه".
"تلقّب المعزّ وهو بمجير الدين أشهر". افتقاد هذا اللقب والذي قبله في فهرس.

ص٥٣٢: (التعليق رقم ٥) في الترجمة الأخيرة في هذا المجلد تُلاحظ لنا أن المخطوطة أ "انفردت بهذه الخاتمة" أي ترجمة "اليزيدي" رقم ٤١٤، وتقول: "لا مبرر لهذا الوقف". ونحن نستغرب منك هذا، فالكتاب مقسم الى مجلدات، لا الى حدود تراجم تبدأ بحروف وتنتهي بتراجم تبدأ بحروف أخرى، أي ينتهي من اسمه يبدأ بحرف "يعـ"، كيعقوب، وتبدأ من اسمه يبدأ بـ "يو"، مثل يوسف؟ فلولا هذا التقسيم، لوجدنا مجلدات تطول بحرف واحد أكثر من المحتمل أن يكون عليه حجم المجلد عادة.
وقد لاحظنا لك من جهة أخرى أن زيادة ترجمة "التمار" من المخطوطة ت، مخالفة للمنهج، إذ كان ينبغي أن تلتزم بما انتهت اليه النسخة الأساس أ، التي اعتمدتها أولاً وتترك ما في غيرها للمجلد اللاحق. وبما أنك وجدت المجلد اللاحق ٢٩ لا يحتوي هذه الترجمة، فتكون إضافتها الى مجلدك هذا ٢٨ هو نوع من الاستدراك عليه، باعتبارها وردت في إحدى النسخ الثانوية التي بين يديك، على أنها تابعة للمجلد الموالي الذي لم تظهر فيها لأسباب مبررة، وهي أنه لا يبدأ بها لدى من حقّقه، دون أن يسمح لك ذلك بالقول إنه "لا مبرر لهذا الوقف" في المجلد الذي بين يديك، لما بيناه من أن المؤلف اعتمد المجلدات في توزيع تراجمه لا الحروف، حتى يخصص لكل مجلد حرفاً من حروف الهجاء التي يبدأ بها اسم المترجم له.

ص٥٣٢ س٩: "آخر الجزء الثامن والعشرون (كذا)". لا خطأ نحوي أو لغوي هنا، ولذلك لا موجب لكلمة (كذا) أمامه بين ظفرين، والتي عادة ما يشار بها الى مخالفة لغوية أو نحوية، على تقدير أن الصفدي أجرى التعبير على مقتضى القطع بين "آخر" وبين مسمى الجزء وهو "الجزء الثامن والعشرون" وهو ما قد يكون قد جرى عليه في نهايات أجزاء كتابه وليس في هذا الجزء فقط.
ص٥٥٦: "ثبت مصادر ومراجع التحقيق"، هذا الثبت أهم منه فهرس غير موجود للأسف للكتب المذكورة في هذا الجزء بصفتها مصادر الصفدي لتراجمه فيه وترتيبها بحسب تواريخ وفيات أصحابها، كابن خلكان وابن الخطيب والقفطي وابن الفرضي ومؤلفين آخرين كثيرين.
وكم كان يساعدنا هذا الفهرس لو قام به المحقق لمعرفة انتقال المعرفة بين اللاحق والسابق من المصادر، والمقارنة بين التراجم في أحدهم والآخر. وفهرس آخر كان وجوده مهم جداً وهو فهرس ألفاظ الحضارة ومصطلحاتها، فضلاً عن فهرس لأسماء الأعلام والأماكن، لأن ذلك أبرز ما يميز المخطوط عن المطبوع. فالفهارس هي أكبر خدمة يقدمها المحقق للمخطوط للقارئ الحديث، ولا يمكن تصور الفائدة التي يجنيها الباحث من وجود فهارس منوعة في الكتاب. وقد أشرنا الى ذلك في الأول.

ص٥٦٥ س٤: انظر خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني، "قسم فضلاء أهل أصفهان وخراسان وهراة ...". "هراة"، تكتب هرات. وأخطأ المحقق في رسمها كذلك في ص ٣٤٢ في التعليق رقم ١.
ص٦٠٦: في فهرس أصحاب التراجم عنوان "ملحقات"، وليس هناك عنوان بهذا الاسم داخل الكتاب. وإنما الموجود ترجمة "يعقوب بن يزيد التمار" (ص٥٣٣)، فهي ملحق واحد. وقد تحدثنا عن مخالفة المحقق بإلحاق هذه الترجمة لهذا الجزء خلافاً لما وجد الأمر عليه في المخطوطات المعتمدة. وإنما هي على الأصح استدراك على الجزء التالي وهو التاسع والعشرون الذي خلت منه هذه الترجمة، لأسباب منها افتقادها فيه.
وفي هذه الترجمة نجد زيادة بين معقفين من المحقق كعادته ولكن لم يخبرنا هذه المرة إن كان زادها هو أو نقلها من بعض المصادر التي ذكرها كمراجع في تحقيقه لصاحب هذه الترجمة. ولم نفهم حقاً الوجه الذي يبرر هذه الزيادة لوضوح الكلام أو لتحقيق المعنى. فالتمار، شاعر يقول الصفدي "كان ظريفاً، له بسرّ من رأى دار للسلطان عليها في كل نجم سبعون درهماً، والنجم شهران"، بمعنى أنه كان يتعين في حقه أن يدفع كل شهرين قسطاً من الدراهم للسلطان لقاء الدار، وكان فقيراً ضعيف الحال فكتب قصيدة، أوردها الصفدي، يشكو الشاعر فيها أمره الى الله فلما قرأها أحدهم على المعتمد "استظرفها وقال: ويْحكم من [يأخذ] من هذا شيئاً، اسقطوها عنه".
وتقديرنا أن قراءة الأصل أدل على المعنى المقصود، إذ "من" الثانية هي بمعنى العطاء، منّ يمنّ منّاً: اعتقد عليه منّاً وحسبه عليه؛ وليست حرف جر، وأن المعتمد يقصد إسقاط "السبعون" التي يعطيها الشاعر كل شهرين، والتي ذكرها في شعره وهو قوله:
يا ربّ لا فرحٌ مما أُكابده * بسُرّ مَنْ رَا على عُسري وإقتاري
ثم يقول:
قد شَيّبتْ مَفْرقي سبعون - تلزمني * في منزل - وُضَّحٌ من نَقد قنطار
أحتالُها قبل فتح النجم وافية * ولو تَعيَّنتُ ديناراً بدينار
يطول همّي وأحزاني إذا فتحوا * نجماً وأبكي بدمع مُسبل جارِ
(وهنا تصحيح "جار" لأن المحقق كتبها "جاري" بالمد، وإنما هي بالمد لفظاً للقافية لا كتابة).
الى آخر الأبيات الثلاثة عشر في الجملة. وفي آخرها يقول:
إذا قيل عند وفاتي: أوص، قلت لهم * شهدت أن إلهي الخالق الباري
وأن أحمد عبد الله أرسله * وأن سبعون حقاً أجرة الدارِ

***
وأخيراً أشكر المحقق على هديته نسخة لي من هذا الكتاب وأرجو أن يجد في هذا العمل الذي كتبته عليه أثناء قراءتي له تقديري للجهد الذي بذله من أجل إخراج هذا القسم من كتاب الوافي بالوفيات للصفدي بالصورة التي، وإن بلغت مستوى من التحقيق الجيد، إلا أنها تبقى قابلة للمراجعة في ضوء ما كتبناه عنها لتكون أقرب ما يكون للأصل المخطوط في نسختيه المهمتين اللتين بقيتا منه. فكم مخطوطات محققة وأحياناً بأكثر من تحقيق لم تصل في التصحيح الى الدرجة، التي يمكن القول بعدها أننا نبقى في اطمئنان الى مرور الكتاب من طور المخطوط الى طور المطبوع بحيث يغني عن كل أسف على فقد الأصل بخط المؤلف أو بتصحيحه - لا قدر الله - أو لم يعد لهما وجود لسبب من الأسباب. والتقدم الحديث في نشر مؤلفات القدماء مصححة أفضل تصحيح مهمة لتقدّم العلم، فقد لاحظنا أن كثيراً من الباحثين يتصدّون لنقد بعض أفكار القدامى استناداً الى مؤلفاتهم المطبوعة بين أيديهم دون لا يساورهم شك في أنهم مخطئون في حقهم لأنهم انطلقوا من نصوص غير محققة جيداً في الأصل. ولذلك يتعين عليهم أولا التحقق من صحة ما بلغهم من هذه المخطوطات القديمة قبل الاندفاع الى مناقشة أصحابها الرأي أو الحكم على أفكارهم أو مواقفهم.
انتهى

تعليقات