رسالة مفتوحة الى السيد وزير الشؤون الثقافية

رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الشؤون الثقافية
                   عودة اليوم الوطني للثقافة وتجنب الممارسات القديمة



بقلم/ الناصر التومي


من يوم وعينا على الساحة الثقافية بداية من السبعينات أي من عهد الزعيم الحبيب بورقيبة ونحن ننتظر بفارغ الصبر اليوم الوطني للثقافة حيث سيتوج فيه المبدعون بوسام أو بجائزة، عربونا على ما قدموه من إشعاع وكتابات شعرية أو روائية أو مسرحية وفي كل الفنون تقريبا، وكنا نفرح لمن نالهم هذا التكريم وخاصة من القدامى الذين سبقونا في المجال الإبداعي.
وتمر الآيام والسنوات وحل العهد النوفمبري وتجاوزنا سن الشباب واقتحمنا سن الكهولة وخضنا فيه شأوا، وتعددت إصداراتنا في القصة القصيرة والرواية وتحصلنا على جوائز، لكن وزارة الثقافة تضن علينا باعتراف لا يسمن ولا يغني من جوع، رغم أن من بين أصدقائنا من شملتهم الأوسمة أكثر من مرة، وثمة من أسند له وسام مرتين في نفس الصنف.

قيل لنا في السرّ إنها الولاءات، وأنا لا أعرف من الولاءات إلا للوطن، قالوا لا، الولاءات للحزب الواحد، وللأشخاص من ذوي النفوذ وللأ شخاص ذوي الرموز، ومن إطارات وزارة الثقافة، قلنا لم نترب على هذا ولن نستجدي حقا مشروعا لجميع من ساهم في الإشعاع الثقافي بالبلاد، وبلغت إصداراتنا الخمسة عشر ولا شيء تغير، ونهج الوزارة نفسه رغم تغيير إطاراته ويظهر أنهم يتركون تعليمات دائمة خاصة بالإقصاءات لمن يأتي بعدهم إلى أن جاءت الثورة فسقط الستار عن الجميع.
  الغريب أن موظفي الوزارة من ليس لهم أي إبداع ثقافي بل هم موظفون لا غير كغيرهم من موظفي الدولة بالوزارات الأخرى تسند لهم الأوسمة وليس من حقهم ذلك إلا إذا كانوا من المثقفين المبدعين، فتجد أمين مكتبة، وبعض المسؤولين الإداريين في مصالح المسرح والسينما والموسيقى وغيرها من المصالح بالوزارة، ، بينما هؤلاء يمكن أن يسندوا أوسمة العامل المثالي التي تمنح لكافة القطاعات بالإدارة التونسية، أما أوسمة الثقافة فهي حكر على من ابتلي بالإبداع في كل المجالات حتى لو  يعمل في مصلحة المجاري.

وحدث على من لم يكتب كتابا واحدا وتم توسيمه في قرطاج، ومن وضع كتابا واحدا ووسم أكثر من مرة في نفس الصنف.
تمنح الأوسمة للممثلين، في المسرح والسينما والتلفزة، والمخرجين وكتاب السيناريو، والرسامون والنحاتون والمصورون الفوتوغرافيون، وهؤلاء لا اعتراض عليهم وقد يكون أحدهم عندما بدأت الكتابة لو يولد بعد، وحدث ولا حرج عن الذين أسندت لهم الأوسمة، أئمة جوامع، ومقرئين، ومؤدين لأناشيد صوفية، و الطبالة والزكارة والرقاصة، شرقي وغربي وشعبي.


الغريب أيضا أنهم يعتبروننا كمن الشخصيات الثقافية فكل سنة قبل اليوم الوطني للثقافة نتصل بمراسلة من قبل الوزارة لحضور العيد الوطني للثقافة في قصر قرطاج، وكل سنة يرن جرس الهاتف القار فترفع زوجتي السماعة لتعلم بهذه الدعوة، ولما أعود أجدها متتهللة الأسارير وهي تقول لي مبروك، فأرد على ماذا إن شاء الله، تقول سيكرمونك في قصر قرطاج فأقول لها: بل لأحجز أحد كراسي الحضور حتى لا تبقى شاغرة.

   القائمات غير محينة وهم يريدونها فوضى ليتسنى اللعب فيها، وإذا حاولت الإستفسار عن هذه المعضلة وعن الإقصاءات لا تجد جوابا بل الخرس يسود الجميع لأن حجتهم واهية فأنى لهم الإجابة المقنعة، فكلما اجتمعت اللجنة لإسناد الأوسمة سألوا بعضهم من منهم لم يوسم فيدرج بالقائمة حتى ولو كان موظفا بالوزارة لا شأن له بالإبداع الثقافي.


وحدث عن اللوبيات الثقافية ولا حرج فإذا لم تأخذ مكانك داخل أحد اللوبيات فإنك تتيه وتؤكل حيا فيسندون الجوائز والأوسمة والتكريمات لمن يحسن التملق، ومدح هذا أو ذاك حقا كان أو باطلا، وتتفاجأ أن بعضهم يمنحون بركة الوزارة وهم لا يزالون في بداياتهم ولم تكن لهم أي مدونة تشهد لهم بذلك بينما من بلغت إصدارات البعض الآخر العشرين كتابا فلا يلتفت إليهم.

قد يعتبرني البعض أغالي في المسألة، لكن من الذي يقنعني لماذا الأديب محمد الهادي بن صالح لم تكرمه الوزارة ولو تسند إليه وساما ولو صنف صفر وهو صاحب أغزر إنتاج إبداعي في البلاد يفوق العشرين كتابا في الرواية والقصة القصيرة، والجواب أن محمد الهادي بن صالح لا يتمسّح على مكاتب المسؤولين السياسيين ولا يتملق إطارات وزارة الثقافة، وكلمة الحق يقولها ولو على رقبته. وعديد الأسماء الأخرى نالها مثل هذا الضيم.

لعل البعض يرى أني أستبق الأحداث حتى أحجز تكريما في اليوم الوطني للثقافة في نسخته الجديدة، أبدا أنا منذ سنوات أعلنت أني سأرفض أي وسام أو تكريم أو جائزة من وزارة الثقافة لأني أرفض أن أخذ مستحقا بعد فوات أجله، سبق أن رفضت أن أنزل ضيفا على أحد البرامج الثقافية التلفزية لآدم فتحي لا لشيء إلا لأنه دعا قبلي من هم أصغر مني وأقل إنتاجا وإشعاعا.


  كتبت هذا حتى يحاول السيد وزير الثقافة أن يعيد هذا العيد في حلته الجديدة بأكثر جدية وأنصاف للمثقفين، ولا يترك الأمر للجان لا مبادئ لها تعبث بالمبدعين فتخدم هذا وتتجاهل ذلك دون ضوابط، ولن يتحقق هذا إلا بتحيين قائمات الأوسمة والتكريمات والجوائز، وإسنادها لمسؤولين أكفاء نزهاء، وأرجو أن لا يكونوا من الوسط الثقافي الإبداعي لأن هؤلاء هم الذين عبثوا لعقود في هذا الشأن، بل إداريين يطبقون ما يسطر لهم بكل حزم ومصداقية.
                                                             الناصر التومي

تعليقات