"دولاب النار الباردة " أو وقفة تأمل لحمادي المزي

بقلم / محمد المي 

تم يو السبت 28 سبتمبر 2019 بدار الثقافة ابن رشيق عرض المسرحية الجديدة لحمادي المزي الموسومة ب " "دولاب النار الباردة " وهي أول مسرحية  تقدمها دار سندباد بعد مرور ثلاثين عاما على تأسيسها وصدور كتاب توثيقي عنها بدعم من الهيئة العربية للمسرح 

ملخص المسرحية 

تروي مسرحية " دولاب النار الباردة " قصة صراع عائلي /مجتمعي لبائع خمر خلسة يكتشف أنه في مواجهة شقيق سلفي متشدد وابن يحترف المسرح وصديق واش وزوجة لا تحتمل الخيانة وسلطة متربصة به كخارج عن القانون 

صراع الفرد ضد الجماعة الذي يوصف بالصراع المأساوي الذي ينتهي بالضرورة بانهزام الفرد أمام مواجهة المجموعة ويجعل من 
الشخصية المحورية بطلا اشكاليا يسعى لتأكيد صحة توجهه في وسط يجمع على عدم صحة تمشيه وصواب خياراته  
قدمت وقائع الحكاية باللهجة التونسية الدارجة وأثث الحوار بأضواء وموسيقى وديكور في مساحة زمانية وفضاء مكاني توفرت فيه الشروط الجيدة للعرض المسرحي 

الديكور والأزياء

لم يبخل حمادي المزي على عمله المسرحي من حيث الديكور والأزياء خلافا لعديد المسرحيين الذين يتقشفون سعيا للربح وتجنبا لأعباء النقل ويحاولون فلسفة خياراتهم بجعلها ناتجة عن اعتبارات فنية وماهي كذلك 

جعل حمادي المزي عرضه ثريا بديكور بسيط ملأ الفراغ على الركح وسيطر على تلقي المشاهد وذلك بشد أشرطة على طول الركح علق فيها صناديق الجعة وجعلها في حركة جيئة وذهاب للتدليل على عمليتي البيع والشراء و"تدوير الدولاب " كما يقال وكما شاء هو من خلال عتبة العنوان 
فالعنوان لم يوضع اعتباطا بل هو يوحي ويحدد ويفتح شهية القراءة كما يذهب رولان بارط الى ذلك ولم يكتف المزي بتوظيف الأشرطة لتحريك الصناديق الفارغة بل جعلها تضطلع بوظيفتها الرمزية الأولى وهي نشر الغسيل الذي تم عبر الحوار والذي لعب دور الكشف والحجب في الوقت نفسه 
كشف الشخوص المختفية وراء اللحاف تارة وحجبها تارة أخرى فيعريها الكلام ويكشف حالها ولقد أبدع المزي في استعمال ديكور مسرحيته وجعله وظيفيا متعدد الاستعمالات موحيا دالا دلالات متعددة 
أما فيما يتعلق بالأزياء فقد أضفت على شخوص المسرحية غموضا وجلاء اذ عمد الى التعرية بمفهومها البسيط والى الحجب المطلق وقد كشف بجلاء شخصية الابن الفنان الذي ظهر في عراء تام ليس لديه ما يخفي فيما ظهرت بقية الشخوص غامضة ملتحفة مصرة على أن تظهر غير منكشف 
ثنائية الكشف والحجب اشتغل عليها حمادي المزي بذكاء كبير وهي نقطة قوة المسرحية 

الموسيقى 

لم يول حمادي المزي الموسيقى الاعتبار نفسه الذي أولاه للأزياء والديكور فليس هناك موسيقى مبتكرة خاصة بالعمل وانما هي موسيقى من الانترنيت وظفت توظيفا عاديا بل هناك مواضع أغفلت فيها تماما وحتى النهاية لم توظف فيها الموسيقى المتناغمة مع الجو الدرامي اذ كان يمكن التنويع بموسيقى أقرب الرى الجو السلفي ( البندير والدف ...) وغيرها من الموسيقى البديلة التي تتماشى والنهاية الظلامية 
ربما أراد المخرج أن يقول اننا انتهينا من حيث بدأنا خصوصا عندما عادت صناديق الجعة تحت اللحاف الأسود كاشارة ضمنية الى استمرار بيع الخمر خلسة بعد وفاة الشقيق الأكبر ولكن تحت غطاء "شرعي" ورغم ذلك كان يمكن الامعان في الموقف بموسيقى تدل على الجو الجديد والمناخ الذي سيسود 
الموسيقى في تقديري هي نقطة ضعف العمل 

الاضاءة 

لعبت الاضاءة دورا في اخفاء وابراز الشخوص وتوجيه زاوية نظر المتفرج فدلت الأضواء الحمراء السبعة التي أنبأت عن التحول الحاصل في شخصية الشقيق السلفي الذي مر من مرحلة التكفير الى مرحلة تطبيق الحد والتحول  الى العنف وبالتالي الوصول الى 
المرحلة الدموية وفي اعتقادي كان يمكن الاستفادة أكثر من تقنية الأضواء 

الحوار

كان الحوار محددا لطبيعة الشخوص كاشفا باطن الشخصيات مسفرا عن قناعاتهم وماضيهم وطبيعة علاقاتهم ببعضهم البعض واتضح أن الكل ضحية الكل وكأن القدر ساق الكل الى وضع لم يختاروه وانما فرض عليهم جميعا وهنا يستغل حمادي المزي شخصية المسرحي الشاب ليحمله خطابا لا يتماشى مع عمره وتجربته عندما يتحدث الشاب الذي أسس شركة مسرحية جديدة عن اهتراء العلاقات بين المسرحيين وعبثية الفعل المسرحي في وسط متعفن 
هي وقفة تأمل حمادي المزي المسرحي الذي امتدت تجربته لعقود من الزمن لتصل به القناعة الى غسل اليد من المشهد المتصدع والمتعفن فيكتشف أن المسرح دولاب بل دواليب تكوي صاحبها بنار باردة فيتلاشى شيئا فشيئا فيما يعتقد أنه بصدد تحقيق شيء ما 

كلمة أخيرة 

دولاب النار الباردة تحكي واقعنا وتصور حالنا وان كانت تنتهي نهاية مأساوية لا تبشر بخير فلا يرتجى من المستقبل شيئا  حتى الفن يخضع للتوجه الجديد عوض أن يكون الفنان موقدا للشموع 
نهاية قابلة للنقاش في مسرحية جادة تستحق المشاهدة

تعليقات