فتح الله فيلم وثائقي يروي التهميش ويفسر الانحراف

بقلم : محمد المي

ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية الطويلة في أيام قرطاج السينمائية في دورتها الثلاثين تم عرض فيلم وثائقي طويل عن منطقة سيدي فتح الله بجبل الجلود .

الفيلم يتجاوز ال80 دقيقة وأحداثه تمتد على عشر سنوات من 2009 الى 2019 أخرجته شابة تونسية/ بلجيكية التقطت شخوص فيلمها الوثائقي من الواقع وعاشت تفاصيل حياتهم اليومية فدخلت ديارهم ورافقتهم في ليلهم وجالست الخمارين والمسطولين منهم وافتكت منهم اعترافات خطيرة حول واقع المنطقة وواقعهم الحالي .

شباب مهمش لا يعتز بانتمائه لتونس التي لم تقدم له مايجعله معتزا بانتمائه همه الوحيد هو الخروج من البلاد ولو بعد حين ( أحد هؤلاء يؤكد أنه سيرحل الى ايطاليا حتى لو بلغ الستين من العمر ) لأن الامل لدى هاته الفئة لا يوجد الا وراء البحار .
الحياة الليلية لشباب متساكني منطقة سيدي فتح الله أوضح من الحياة النهارية لا ملجأ لهم سوى بطحاء تقع على سفح جبل غابي يمارسون فيها الرياضة مراهنة على صناديق الجعة وقوارير البيرة وهو المكان نفسه الذي يمارسون فيه عربدتهم بعيدا عن أعين المتساكنين والشرطة التي تلاحقهم بين الحين والحين .

أغاني " الراب " في سيدي فتح الله عوضت "المزود" الذي كان يدل على الانحراف او لنقل فن الفئات المهمشة حيث اتجهت جهود خريجي السجون ومتعاطي الزطلة الى ابتداع أغاني "الراب" الذي أصبح الأكثر تعبيرا عن هواجسهم وقضاياهم .
شباب لا تحتكره منطقة سيدي فتح الله بجبل الجلود التي تربى وعاش فيها الشهيد شكري بلعيد بل انك تجد الشباب نفسه في كل حي من بنزرت الى رمادة بنفس الازياء وبتسريحة الشعر الملبد بمراهم التثبيت (الجال) . لا هم لهؤلاء الا امتلاك الدراجة النارية الأشهر ( الفيسبا.  Vespa)

مع بدلات من الملابس المستعملة (الفريب) وفي انتظار تحقيق حلمه في الهجرة غير الشرعية ( الحرقة ) فانه يتسلى بالزطلة الى ان تفرج .


(شباب يلبس الفريب ويمتلك فيسبا فيحلم بالحرقة ويتسلى بالزطلة همه رضاء الحنينة (الأم ) ولا ينصت الا الى الراب )

تتجول الكاميرا في السبعة زناقي (ممرات الرعب الليلية ) التي حاولت تلوينها مديرة دارالثقافة لجعلها تكتسي لبوسا مختلفا وتتيح امكانية مختلفة لابناء المنطقة . كما تتجول الكاميرا على أسطح المنازل الضيقة والمتعانقة لتكشف عن معاناة ابناء سيدي فتح الله الذين توافدوا على المنطقة من جهات داخلية في البلاد ليتألفوا ويصبحوا أبناء حي مهمش لا يختلف عن احياء اخرى كالسيدة أو الملاسين أو غيرها من الأحياء الحزامية التي تطوق العاصمة .

يعترف شباب سيدي فتح الله بالسرقة والخطف والزطلة وكل أشكال الانحراف ويقدم شهادة عن الحكام الجدد بعد الثورة فيصفهم بالسراق ويعبر عن تحول خوفه الذي تبدل بعد الثورة

قبل الثورة : الخوف من تونس 
بعد الثورة : الخوف على تونس


الخوف سيد الموقف وهو المحدد المحرك لجميع أفعال الشخوص في الفيلم الوثائقي الطويل .لذلك فان ليل سيدي فتح الله أوضح من نهارها .

تيقا TIGA
بازا PAZA


نجما المرحلة كلاهما عرف السجن من اجل استهلاك الزطلة أو محاولة استهلاكها وكلاهما يعيش على امل العالمية والشهرة التي ستنسيه الفقر والحاجة وتنقله الى الضفة الأخرى

مخرجة الفيلم نفسها تماهت مع حليم النازح من قفصة فتتزوجه ولا تنجب منه ولدا بل أنجبت فيلما وثائقيا توجت به عشر سنوات من عمرها واقتحمت به مسابقة لنيل جائزة حتما هي في انتظارها كمن ينتظر نتيجة نجاح ابنه في امتحان .

فيلم جدير بالمشاهدة وجدير بالتتويج لأنه أكد قدرة السينما على ماعجزت عنه السلط الفاسدة التي تدير الشأن العام .

تعليقات