الجزيري يكسب رهان السينما في " القيرة"

بقلم : محمد المي

هنيئا للسينما التونسية بالفيلم الجديد للفاضل الجزيري الموسوم ب " قيرة " فقد استطاع أن يجعل يلبس الحاضر بلبوس الماضي أو لنقل يستدعي الماضي ليقيس به الحاضر حيث انطلق من مسرحية الكاتب الكبير عزالدين المدني " ثورة صاحب الحمار " للحديث عن الواقع .

المسألة ليست باليسر الذي يتصوره القارئ اذ كيف نستدعي الماضي دون أن تستبد بنا أحداثه وتأسرنا وتقيدنا لنصبح مجرد مستعيدين له مكررين لوقائعه واقعين في شرك الحكاية وسحر الخرافة ؟ وكيف نتعامل مع الواقع بوعي أحداثه التي نحياها ؟ سؤال فلسفي طرح في عديد المرات وأثار جدلا وكان التفكبير فيه ولا يزال مرهقا حقا .

استطاع الفاضل الجزيري أن يقدم مقاربة فنية عن طريق السينما تلامس السؤال الحارق وتلج عمق الاشكال الحضاري
فيلم "قيرة " تدور احداثه قي القيروان التي شهدت ندوبا وجروحا واجتياحات متكررة كان اخرها جماعة " انصار الشريعة " الذين أقاموا فيه امارة اسلامية أو كادوا فعرفت تونس محنة اخرى في تاريخها لا تختلف عن محنها السابقة كمحنة صاحب الحمار مخلد بن كيداد .

وانا أتابع احداث الفيلم تتقاطع الأحداث التاريخية التي حولها الجزيري من المروي والمحكي الى المشاهدة قلت تتقاطع مع ما يحدث هنا والان .

كتب الجزيري عمله السينمائي الفني بلغة جريئة واقتحم واقعا بأدوات فنية ذكية فقد بذل الكثير من الجهد ( وهذا مايقوله الديكور والملابس والعدد الضخم من الممثلين ...) 

وقد استغرق اعداد الفيلم سنوات بدليل وجود من توفاه الله قبل اتمام الاعداد النهائي للفيلم الشيء الذي جعل من هذا العمل الذي كتب بلغة سنمائية تختلف عما دأبت عليه السينما التونسية ابنة السينما الفرنسية التي تجنح الى الصمت في الحوار اذ عادة ماتطول فترات الصمت وتتقدم الموسيقى التصويرية  لملء الفراغ . فضلا عن جنوح الافلام الى مشاهد العراء المجاني ( افلام النوري بوزيد نموذجا) .


لقد قطع الجزيري مع النمط ( البوزيدي ) وان كان لا يزال مشدودا الى لغة المسرح الجديد التي لم يستطع أن يتخلص من سلطانها بل ان أهم عيب في فيلم (قيرة) ان الجزيري جعل كل الأصوات صوتا واحدا يلهجون بلهجته المسرحية وكم وددت لو تعددت لهجاتهم واختلفت أصواتهم .

الموسيقى التصويرية جاءت من (النوبة) وتحديدا من موسيقى (الخمسة اللي لحقوا بالجرة ) لاسماعيل الحطاب .
هنا يكمن ذكاء الفاضل الجزيري الذي ربط بين فقرات مشروعه الفني الجمالي حيث جعله متناسقا (غسالة النوادر التي حضرت من خلال لغة الحوار ) و( النوبة التي حضرت من خلال الموسيقى التصويرية ) و(مسرحية صاحب لحمار التي تم تحويلها الى فيلم يصور الواقع )

الخيط الناظم بين اعمال الجزيري لكي لا تكون مفككة مشتتة كالمزق هو مايجعل الجزيري لا مجرد مخرج مسرحي او سينمائي بل صاحب مشروع جمالي استيطيقي فضلا عن كونه يخرجه الى دائرة المثقف العضوي بالمفهوم القرامشي للكلمة .
فيلم " قيرة " للفاضل الجزيري اضافة حقيقية للسينما التونسية التي توقفت طويلا عن الاضافة

تعليقات

  1. قراءة ثاقبة لهذا العمل الملحمي الزّاخر بالاشارات حيث تتداخل الأزمنة والأمكنة وحيث تتكاثف عناصر اللغة السينمائية لتجعل منه عملا بديعا خارجا عن مألوف السينما التونسية فيؤكّد تنوعّها وقدرتها الدائمة على اثارة الدهشة.
    أمّا كون الحوار مكتوبا بنفس النّسق الذي عرفت به مسرحيات المسرح الجدبد فذلك اختيار جمالي واسلوبي ملازم لأعمال الجزيري وجزء من رؤيته الفنيّة المتّسقة التي تنتظم اعمال هذا الفنان.

    ردحذف

إرسال تعليق