الى وزير الشؤون الثقافية.. نادي القصة يستغيث

إلى وزير الشؤون الثقافية...نادي القصّة يستغيث...!

يشهد نادي القصة/النادي الثقافي أبو القاسم الشابي بالوردية منذ ثلاث سنوات ظروفا مادّية صعبة، وتعود أسبابها إلى تقلّص الدعم المادّي الذي كانت تؤمّنه وزارة الشؤون الثقافية، فكان من النتائج المباشرة لذلك أن أصبحت هذه الجمعية غير قادرة على تأمين أنشطتها الثقافية، سواء على مستوى التسيير العادي الذي شهد اختلالا ملحوظا بعد توقف الدعم، أو على مستوى أنشطة النادي الأخرى المتمثلة في إقامة الندوات، وإصدار المجموعات القصصية، وتأمين صدور مجلّته "قصص".

وللتنويه والتذكير، فنادي القصة هو أعرق ناد أدبي بالعاصمة، فقد تأسّس في أكتوبر 1964، في فضاء المركب الثقافي أبو القاسم الشابي بالوردية من طرف جمعية ثقافية، جعلت من هذا المركب (بداية من 1961) قبلة أهل الفكر والثقافة، في زمن كان تعزّ فيه الفضاءات الثقافية وكان رجل السياسة لا يستنكف من حضور الندوات واللّقاءات الثقافية التي كانت تقتصر في ذلك العهد على دار الثقافة "ابن خلدون" و"ابن رشيق " و"النادي الثقافي أبو القاسم الشابي".

وضمن هذه الملابسات كان "نادي القصة" الخليّة الثقافية الأهمّ، وقد أمكنه بفضل جهود هيئاته المتعاقبة أن يواصل نشاطه إلى اليوم.
ومن أهمّ ما يميّز"نادي القصة"، أنّه الفضاء الثقافي الوحيد المخصّص منذ نشأته لجمع شمل كتّاب القصة، والتعريف بهذا الاختصاص الأدبي سواء للناشئة من خلال الورشات التي ينظمها للكتابة الأدبية، أو لتبليغ صوت الأدباء عن طريق ما ينشره على صفحات مجلة "قصص" من جديد الإنتاج الأدبي، أو في شكل منشوراته التي تجذّر كتابة القصة في الأدب العربي الحديث. 

هذا، ومازال النّادي برغم الظروف الماديّة الصعبة يجمع كلّ مساء يوم سبت كتّاب القصة، لقراءات قصصية، ويقيم ملتقى سنويا لأعضائه لتدارس قضايا الكتابة السردية، ويسعى جاهدا لتأمين صدور مجلة "قصص"، كلّ ذلك بجهد مجموعة متطوّعة من الأدباء المؤمنين بدور الأدب في إكساب الأجيال هويتها الثقافية. 

ولكن ما يجب التأكيد عليه في هذا السياق أنّ هذه الجمعية الثقافية، قد أدركت اليوم وضعا مادّيا صعبا، بعد حجب دعم وزارة الشؤون الثقافية منذ سنتين، لذلك سعت الهيئة المديرة الحالية للنادي، إلى لفت نظر الوزارة إلى هذه الوضعية، باعتبار أنّ الصيغة الأساسية لنادي القصة تستند إلى اعتباره "جمعية" تعتمد في مواردها المادية على دعم وزارة الشؤون الثقافية، ولكن ذلك لم يغيّر من أسلوب التعامل. ومع توالي تغيير وزراء الثقافة، تعدّدت الوعود، ولكن الدعم الحاصل بقي مقنّنا بإنجاز أنشطة ثقافية مخصوصة، و ما وراء ذلك من تسيير المحلّ وتجهيزه بما يضمن الأنشطة وفواتير الكهرباء والهاتف والموقع الإلكتروني، فهي خارج مجال التعامل.

وقد وقع منذ ثلاث سنوات إشعار الهيئة المديرة للنادي من قبل مصالح الشؤون المالية بوزارة الثقافة، أنّ صيغة الدعم قد تغيّرت، وأنّ الوزارة لم تعد ملزمة وفقا للقرارات الجديدة المستحدثة، بتحمّل مثل هذه المصاريف...! وأنّ دعم "نادي القصة" سيكون مقتصرا كما تقنضي ذلك القوانين المعمول بها على اتفاقيات الشراكة التي تقوم بالأساس على تمويل أنشطة ثقافية كالملتقى السنوي للنادي، وهو ما خضع له تعامل النادي مع الوزارة من خلال لجنة الدعم. ولكن النادي ما انفكّ يوضح أن شروط لجنة الدعم التي ما انفكت تعتمد تراتيب إدارية متعددة ووثائق يصعب تأمينها على الجمعيات الثقافية القائمة على التطوع وعدم توفر الموظفين المختصين، وبذلك تصبح عائقا للحصول على الدعم.

ومهما كان، فإنّ "الوعود" والتعهّدات التي قدّمتها الوزارة والتي لا تغطّي إلاّ نصيبا من حاجيات النادي الماديّة، كثيرا ما حدّ من نجاعتها التراتيب الإدارية للحصول على الدعم، فنادي القصة لم يتحصّل على الدعم منذ عامين، نتيجة هذه الإجراءات الإداريّة المعقّدة، وهو وضع ما انفكّ يتكرّر في السنوات الأخيرة ، ذلك أنه في كل سنة نفاجئ بوثائق أخرى غير التي طلبت من قبل، فما إن  تنتهي الهيئة المديرة للنادي من تجهيز الوثائق وتسليمها للجنة الدعم بالوزارة، حتّى نكتشف ضرورة استكمال وثائق أخرى، وفي النهاية نجابه بفوات الآجال، حتى أصبحنا نعتقد أنّ استكمال ملفّ الدعم، ما هو إلاّ وجه آخر أقرب إلى الرفض المسبق وقصر الدعم على فئة من الجمعيات، حتّى يقع صرف النظر واليأس من الحصول على الدعم المنتظر!

إنّ الملتقى السنوي لنادي القصّة يلتئم بصورة منتظمة منذ سنة 1992، في مطلع كل حريف (أكتوبر – نوفمبر)، لكنّه هذه السنة، وإلى حدود كتابة هذه الأسطر مازال في انتظار قرار لجنة الدعم التي تسلمت الملف المطلوب منذ أشهر، وقد يأتي هذا الدعم وقد لا يأتي، سبق تطميننا في السنة الماضية عندما جوبهنا بعدم توفر الرصيد.


وأمام وضع نادي القصة المتأزّم، ورغم ما يكتسيه الخطاب الرسمي من أهمية الثقافة في تنشئة الأجيال وإكسابها هويّنها الوطنية، نطرح الأسئلة التالية:

- هل يمكن أن نترك أعرق ناد أدبي مختص في القصّة في تونس والعالم العربي يذوب ويتلاشى، بعد مسيرة متواصلة منذ سنة 1964، وبعد دوره الرائد في تجذير الكتابة القصصية وإحاطته بكلّ أجيال الأدباء الذين مرّوا به ولا يزالون؟

- هل يمكن التغاضي عن الأهميّة الأدبية والتاريخية والتوثيقية لإصدارات نادي القصة التي ساهم بها في تعزيز الأدب التونسي، لمجرّد "ارتهان" وضعه المادي إلى قرارات ترتيبية إدارية تغلب عليها صبغة التعميم وعدم مراعاة واقع العمل التطبيقي في الساحة الثقافية ؟

- هل تدرك وزارة الشؤون الثقافة في تونس الدور الرائد الذي اضطلع به هذا النادي، في استقطاب أجيال كتّاب القصة والرواية، والتعريف بهم وبأعمالهم، والانفتاح على كتّاب الأدب العربي في بقية الأقطار العربية، ودور مجلّة "قصص" حفظ الذاكرة الوطنية في مجال اختصاصها وفي احتضان عديد المواهب والأسماء التميزة في الأدب التونسي الحديث؟... 
- هل يدرك أصحاب النظر في المجال الثقافي كم من اسم أدبي يمكن أن يؤأد دون أن يخلفه غيره، عندما يتوقّف ناد أدبي عن النشاط أو تتوقف مجلّتة عن الصدور؟... 

وكم تكون الخسارة أكبر عندما يكون المعلم الثقافي الذي نتحدّث عنه غير قابل للاستنساخ ؟...


- هل بمثل هذه "التراتيب الإدارية" التي تضع الجمعيات الثقافية في نفس الخانة والتي تذمّر منها العديد من  الجمعيات الأخرى وأعلنت إلغاء أنشطتها أو توقفها بسبب صعوبة الحصول على الدعم، يمكن ضمان نجاعة الدعم الثقافي وتجسّيم الهوية الثقافية ومساعدة البلاد وأجيالها الجديدة على عدم الانزلاق في متاهات مسارات ما زلنا نعاني عواقبها منذ سنوات؟

- وهل مازال لدى وزارة الثقافة شكّ في أن خطتها استراتيجية للتنمية الثقافية لا تشكو نقائص من خلال ما عبرت عنه الجمعيات الثقافية – وخاصة في القطاع الأدبي - من صعوبة التأقلم مع تراتيب الدعم الثقافي وإجراءات التصرّف المالي والأداءات، وتقلّص الدعم وثقل الإجراءات الإدارية للحصول عليه؟


وختاما، فإنّ هذه الأسطر ما هي إلاّ "نداء استغاثة" ترفعه الهيئة المديرة لنادي القصّة إلى السيّد وزير الشؤون الثقافيّة، لكي تعلمه بتوقّف مجلته "قصص" عن الصدور لعدم توفّر تكاليف طباعة العدد الفصلي لأشهر جويلية/سبتمبر وإمكانية إلغاء الملتقى السنوي للنادي والذي حدّد تاريخه أيّام 1 و2 و3 نوفمبر 2019 ، بما يعني أنّ شهرا واحدا يفصلنا عن هذا الموعد السنوي الهامّ الذي يجمع كتّاب القصّة من مختلف مناطق الجمهوريّة، فهل من مجيب، أم "أنّك أسمعت  لو ناديت حيّا"؟
                                                
     عن الهيئة المديرة لنادي القصّة

تعليقات