ترجل فارس من فرسان ثقافة التنوير

بقلم : محمد المي 

مصطفى بن نصر 
أو 
بادي بن نصر كما يعرفه الكل وهو الذي أختار هذا الاسم من فرط اعجابه بصاحب أزهار الشر بودلير 
هو ابن فيري فيل أو منزل بورقيبة . وكثير لا يعرف حبه لفيري فيل التي أحبها الحبيب سبيل ورحل عنها هو الآخر مودعا شجر الخروب وشوارعها الشطرنجية .
عاش بادي في تونس العاصمة متنقلا بين نهج باش حامبة ومقهى لونيفار بشارع بورقيبة واروقة الفن التشكيلي  

قاعة يحيى . قاليري التصوير . قاليري مدام ناحوم .رواق المدينة .دار الثقافة ابن رشيق وكهفها الشهير .دار الثقافة ابن خلدون .النادي الثقافي الطاهر الحداد ..وغيرها من نقاط الضوء التي تنير العاصمة وتزيدها بهاء أو لتعطي العاصمة معنى .

قاعات المسرح والسينما ومقرات الجرائد والمقاهي الثقافية واروقة الفن التشكيلي ووجوه الافاقيين القادمين من المدن الداخلية ليحمي وطيس النقاش بينهم حول مسائل تهم الثقافة والسياسة .

يعتبر بادي أحد المع الاسماء التي عرفتها جريدة لابريس : صلاح الدين معاوي وعبد الوهاب عبد الله ومحمد محفوظ ومحمد مومن وخالد الطبربي وفوزية المزي وسميرة الدامي وسالم الطرابلسي وعبد الحميد القماطي ومنوبي المروكي ومنصف قوجة ومنصور مهني وصولا الى الجبل الجديد كأسماء الدريسي وقائمة طويلة من الاسماء والاقلام المتميزة التي مرت من دار لابريس قبل ان تنتهي نهاية مأساوية (للأسف )

انتهى بادي بن نصر في ضاحية الكرم كنقطة فاصلة واصلة بين العاصمة وسيدي بوسعيد والمرسى متفرغا لكتابة الشعر ورسم اللوحات والعزف على قيثاره لحن النوستالجيا المفضل لديه .

تتردد عليه نجاة الغريسي وحمادي بن سعد قبل بتر رجله (شفاه الله )وهو الذي كان سببا في بتر رجل بادي نصر (رحمه الله ) وأسماء أخرى عديدة كمحمود شلبي ومحمد شلبي (قطوس) ومراد الحرباوي ....الخ قائمة طويلة من الاسماء التي تتردد على منزل بادي الذي اكتراه ب700 دينارا وحوله في وقت من الاوقات الى قاليري لعرض اللوحات وبيعها للخواص .

تدهورت الحالة المادية لبادي بعد التقاعد وازدادت سوءا بعد بتر رجله حتى لم يعد قادرا على دفع معينات الكراء وانتقل الى سكنه الأخير الذي كانت نهايته فيه . الكل تفرق من حوله ولم تبق الى جانبه غير نجاة الغريسي تتعهده بين الحين والاخر الى ان توفاه الاجل رحمه الله . 

بعد الاف المقالات التي كتبها عن المسرح والسينما والفن التشكيلي والادب يجد بادي نفسه وحيدا غريبا كأنه لم يكتب عن الفنانين ولا عن السنمائيين ولا عن المسرحيين ولا عن الادباء حتى زملاءه في جريدة لابريس مضى كل الى غايته وبقي بادي الرقيق ذي النبرة الموغلة في فرنسية نادرة ...بادي الذي لا يكاد يسمع صوته الشفيف رغم قامته الفارعة التي تضاهي نزل الافريكا . فارقته الابتسامة قليل وفاته وكثرت همومه وابتعد عن منزله الذي تعود أن ينام فيه منصتا الى هدير البحر وتنهداته .

هكذا تخسر تونس فارسا من فرسان التنوير وقلما متميزا في تاريخ الصحافة الفرنسية ببلادنا وناقدا ثقافيا كبيرا ... في شتاء بداية عام جديد مملوء بالتوجس والريبة والخوف والانتظار يودعنا بادي غير اسف على دنيانا ...وداعا سيدي مصطفى ..عفوا ...وداعا بادي 

تعليقات