تداعيات الذاكرة المخرومة

تداعيات الذاكرة المخرومة لقصيدة 
الشاعر عبدالسادة البصري 
( وقفة مع العتبة):
………….………………….…… 
بقلم : غازي أبو طبيخ الموسوي


تمهيدا تجدر بنا الاشارة المنصفة الى تنوع منجزات  الشاعر عبدالسادة البصري  الادبية  كونه يمثل إنموذجاً واضح التجليات للاديب الشامل، فالبصري فضلاً عن مزاولته لجميع الطرازات الشعرية عمودا وتفعيلة ونثرا فإنه ايضا كاتب روائي وناقد وإعلامي فضلا عن دوره الكبير كعضو في المجلس المركزي للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق عن محافظة البصرة لثلاث دورات متلاحقة.
هذه التوطئة الموجزة لغاية بيان مستوى الوعي النوعي الذي ينطوي عليه اديبنا البصري ،فمن خلال هذا الافق الواسع نفهم قدرته   القارئة على استلهام العتبة من روح النص واسلوب عرضه على مسرح الحياة الثقافية،وذلك امر في غاية الاهمية لعلاقته بمادة حوارنا في هذه المطالعة الكثيفة ونعني قصيدة" "الذاكرة المخرومة"
وتحديدا اختيار الشاعر لهذه العتبة بالذات .
إن النص الابداعي في حقيقته كائن حضاريّ حيٌّ  يتوجب علينا ان نحسن تسميته كما نحسن تسمية اطفالنا تماما،وربما يتزايد الوجوب تبعا للضرورة المعنوية واعماق الفحوى..من هذا المنطلق وبحسب معجم المعاني الجامع فإنّ( خرم الجلد تعني ثقبه،وخرم الثوب تعني شقه،وخرم الانف تعني شق طرفه)..
وهذا يعني دقة الشاعر في تشخيص اهم ملامح البوح في هذا النص..
من هنا سنقرأ النص اولاً لكي يتابع المتلقي الكريم ما اشرنا اليه  :
( ذاكرة مخرومة)
       *****
ابتسامة صفراء، دموع الفرح، إمزجْها،
اضف من وجدك شوقا ورديا،
للحلم الناعس،اجمعها،في دورق ايامك،
اسكبها،مولود يأتي بعد مخاض اسود، يرسم في عينيه 
بساتينا من ورد احمر!!!!
عجائز ردت للعمر الارذل تأتيك محملة ،بسلال يملأها
القمل الابيض والاسود تفترش دروب الرحلات المتعبة،
تهفهف انثى تتلفع بالحزن فوق عيونك بمراوح عمر وردي وتغني:::ــ
بحار قد خبر البحر يمر على الشاطيء كسلان ويقذف بالقبعة الى الموج،
يصفر لحنا قدسيا لعروس البحر، شقيقة نعمان تتهادى كالطاووس....
وعين من خلل الشباك تراقب...وتراقب،تتعب اقداح الشاي ولاتنأى العين،
تلازمك الرعدة انى وليت الوجه،
يحدثك الكأس/النادل/الشارع/ذاكرة البيت الطيني/كلاب القرية/نسيم الصبح/ورائحة البحر!!!،،ضحكات ،غنج،رائحةعطور لأمرأة لم تعرف رجلا قط ولامرت عند الماخور لتمسح ردفيها ملاءة عانس!!
كناري يفتتح الحفلة،
عقد قران،
نورسة يخطبها بجع
حوت يحدث ضجة في الشارع
أرصفة تبكي...
اقدام تتسارع،والليل صديق!!!
حملك يثقل،تثقل ايامك بالآمال/الاحلام/الاطفال/الزوجة،همومك تتزاوج،
ليلك يعتمر الخمر لباسا منذ سني العمر  الاولى،نخلة عمرك تأكل رطبها
الغربان،السوس ينخر سدرة عشقك،يأتلف الشاطيء/البحر ,,,,,,
يرمي السكران بآخر كأس للاسماك،وتأتي امرأة من اقصى الذاكرة الاسيانة،
تأخذ بيدك،تفر بأنغامك من هذا الكابوس القاتم حيث الواحات الخضر امتلأت بعرائس بحر ،
لن تنظر بعد اليوم الى قمر سيولي الادبار مرورا بخرائب داهمها الجرذ وخلاها البوم كمسكن للضب،
تركب فرسا تروم الشمس ولاتقدر،تمضي في الدرب وحيدا،يصحبك الهم وكأس الخمر،الاطفال يغنون (ابانا الذي في ..............)وانت على رسلك
لم تبصر الشمس سوى مرات كنت بها اشبه بالنائم،
لكن العين تراقب...وتراقب....تطفيء شمعة يوم قاس تنز الاحلام/الالام
يحاصرك اعصار من الجوع ....المرأة تتعرى ،،تتقيأ ذاكرتك ،تلتهم الارضة نهديها
،الثوب الملقى ينقلب افعى،تنساب ،تنزل سما زعافا،يهوي سنونو،يلعق منه،يكبر ...يكبر..يغدو عنقاء تلامس سطح الوهم بأعماقك،تمضي.....
وصديقك في الغربة روح ازلي!!!!!
……………………… ..
هكذا بات واضحا ان اختيار عنوان النص لم يكن الا عن وعي نقدي محترف ،وزيادة بالحرص فنحن نجزم ان التسمية تمت بعد الانتهاء من الانثيال الكامل..
لقد نظر شاعرنا بعين الناقد الى نصه متفرسا فخرج بهدا العنوان الذي يمثل بحسب نظرنا كشفا كاملا لطبيعة المنهج الذي اختاره لاطلاق تفاصيل دخيلته في لحظة الانهمار الشعرية الراهنة بعيدا عن الكوابح والموانع..فكان التداعي الحر بحسب " اندريه بريتون"هو الاسلوب الواضح على جميع تفاصيل هذا القصيد..
ذلك لأن اول مايسترعي الانتباه عند قراءتنا لاي نص ادبي من كل جنس او طراز هو العتبة الاولى كعنوان للفعل الابداعي يمثل البوابة المشرعة التي تطلّ على دخيلة النص بما يسهم عميقا في تسهيل مهمة القارئ من كل الشرائح الثقافية،وهي علامة المبدع الفارقة ودالة نضجه الإبداعي..
بينا تبرز ظاهرة اخرى تستدعي التركيز ايضا..فالمعتاد ان اغلب تمظهرات التداعي السريالي كانت في النصوص النثرية خاصة على يد الرواد امثال رامبو وبريتون ،ولكن البصري هبط من اعماقه بطريقة اخرى تختلف وتأتلف.. 
وكم هو جميل هذا الاختلاف بالجمع بين الموسيقى والتداعي الرائق الصادق..وتلك لعمري مزاولة لاتتيسر الا لأصحاب الإذن الموسيقية المرهفة حد التلقائية، وقد احسن  شاعرنا بخبرته اختيار الخبب المتدفّع المتدفق من أجل ان يتوائم مع انهمار الذاكرة العليا بكل هذه التفاصيل الذاتية والموضوعية المختزنة في مركز النشاط العميق الذي كشف عالم النفس سيجموند فرويد عن اسراره الدفينة،وتلقفه من بعده واضع البيان السوريالي الاول اندريه بريتون..
وهاهو الشاعر يقول:
( المرأة تتعرى،، تتقيأ ذاكرتك)..
لقد كانت هذه الفقرة بالذات اشارة دلالية بارعة تعبر عن وجه المرآة التعريفية الثاني،بحيث اطبق الشاعر البصري بحسه النقدي المتامل على مبنى ومعنى القصيدة بما يجعلنا نقول له: 
بل تنهمر ذاكرتك ايها  الشاعر مطيرة بكل هذا الجمال المموسق المحتشد بتفاصيل الحياة والواقع..ومن دلالات عفوية الخيار الموسيقي اننا نعثر على مواضع يمد النثر خلالها اصبعه من دون ان يلمسه الشاعر او يعيد خلقه بعد البوح،بل ترك النص يتحدث عن نفسه كما هو بعيدا عن التكلف او الإصطناع حرصا منه على براءة خامة النص،بحيث ترك المجال واسعا للتأويل المتعدد..
الواقع إن الايقاع وتحويل السرد الى بنية مفعمة بالنشاط النفساني اوحى بشعرية حميمة عالية جعلت هذا النص لافتاً كاسراً للمعتاد على اكثر من صعيد،ولنا امل في مقاربة هذا

تعليقات