التجنيس ‏ومجسات ‏النص

التجنيس ومجسّات النص
قراءة في المجموعة القصصية ( طابوق أصفر ) للشاعر / القاص سالم محسن
# عبد السادة البصري
في كل مرّة ، يجلس فيها المبدع على طاولته ، ليبدأ البوح على الورق ، لم يكن التجنيس هو الهاجس الموجّه لمجسات نصه حتماً ، فبعد شروعه بالكتابة ، يعثر على ناصية ما يريد من إبداع !!
تجده يختزل الرواية بأزمانها وشخوصها وأحداثها ، ليخرج منها بثوب قصة قصيرة جداً ، أو يختزل كل ما يريد قوله ليطلع علينا بنوع جديد من القص ، انه فن الإدهاش الذي لم يتقصّد الكاتب الولوج إليه ، بل راح يسرد حكايته بأسلوب يراه الأقرب إلى روحه ، أو قد يكون مفكراً فيه ، وواضعا له الخطوط العريضة في ذهنه قبل الشروع بالبوح !!
هذا ما وجدته عند الشاعر سالم محسن ، عندما قدّم لنا مجموعته القصصية  ( طابوق اصفر ) !!
قبل الوقوف عند ما جاء به سالم ، علينا أن نقف عند الكتابة متعددة الأوجه ، فبين القصة القصيرة ، والقصيرة جداً ،نجد الأقصوصة ، وبين الزمن الواحد واللازمن ، نجد تداخل الأزمنة ، والاختلاف الواضح في الأماكن في قصة واحدة ، أي تعدد الأماكن واللامكان أيضا ، وهذا يعطينا إشعاراً ، أو هاجسا بأن الكاتب كانت تدور أحداث رواية كاملة في ذهنه ، لكنه اختزلها بأسطر قليلة جدا ، والحكاية التي تدور في خياله ، أبطالها عدة أشخاص ، قدّمها لنا بشخص واحد فقط أو بلا شخوص حتى ، إذ اعتمد المكان بطلاً !!
في مجموعته القصصية البكر ، بعد أن عرفناه شاعرا اصدر أكثر من ديوان  ، جاءنا معلّقاً في سماء غلاف  كتابه هذا ثريّا نص بعنوان ( طابوق أصفر ) وهذا يحيلك إلى بيوت الابلة ( الموانئ ) التي ولد وعاش فيها الكاتب ، كما اعتمد التجنيس المتعدد في قصصه من خلال ( 49 قصة ) تنوعت بين القصيرة ، والقصيرة جداً ، والأقصوصة ، ما يوحي إلى انه تعمّد الكتابة متلفعاً ثوب الحكي ( الروّي )   نفسه ، حيث اختزل  رواية الأحداث والأزمان والحوارات لتكون مكثفة جدا ،ثم أعطاها سمة القصيرة جداً !
اعتمد هذا التجنيس لغرض الاختزال طبعا ، مثلما أراد أن يتخلص من تبعات الرواية ، أو القصة القصيرة مالها وما عليها ، من شروط والتزامات ، حيث الصورة والزمن والحوار ، فجاءت قصصه بطريقة التداعيات ، أو هاجس الروائي العليم لما يراه بعين كاميرته ، وكل هذا نجده في الحدث من خلال الحكي !!
أعود إلى ــ لماذا طابوق اصفر؟! وهنا لا أريد الحديث عن التسمية في كل نص ، بقدر ما أتحدث عن ما كان يريده الكاتب من خلال إطلاقه هذا العنوان على مجموعته بالكامل ، بعد أن كان  عنوان القصة الأولى التي تحمل من الطول ما يؤهلها أن تكون خارج تجنيس القصيرة جداً والأقصوصة ، أي بمعنى أنها قصة قصيرة متكاملة ، من خلال الرواي العليم وهواجسه عن البيت القديم وما يقابله من بيوت تحمل نفس التوصيف والتصميم ، إنها بيوت  حي الابلّة ــ  أو المعقل بالكامل حيث بنيت لعمال وموظفي الموانئ وبالطابوق الأصفر تحديدا ، انه البيت الذي ولد ونشأ فيه الكاتب وتغلغل في طابوقه ، لهذا جاءت التسمية حاملة وفاءه للمكان بكل أشكاله ، ثم يأخذنا إلى ( الطحمة )والتي تشكل هذه النباتات ( لوحة ) تمتصّ ( خيبة ) ما حصل من ( فقد ) حين ذوت ( النار الأزلية ) أمام ناظريه بعيدا عن ( حديقة الاتوكاد ) التي تملّاها القاص في ( استغراق )جميل اشتمّ منها ( رائحة ) كانت تداعب أنفاسه في ( تنقلاتي )التي وثّقها في ( لعبة الألوان )  إذ ( لم يزل طفلا ) يلعب ب ( كاميرات ) صوّرت ذات يوم ( جريح ) بعدستها عندما حملاه ( محمد ومنتهى ) ليقول لنا ( قبل النوم ) أن صورة ( قاعة )والتي أخذت في ( توقيف ) كان عبارة عن مخزن ( مقر الفوج ) بعدما استذكر حكاية ( آنا ) من خلال ( تهيؤ ) كل ( موجودات ) تشبه خيال لحيوان ( ابن آوى ) تتمشى في ( الممر الأخضر ) معلنا أن تمثال ( اوفيد )عبارة عن  (قطعة نادرة ) كان قد شاهدها ( من نافذتي )عندما زارني ــ كما يقول ــ  ( طير الحذّاف )مرفرفا على هيئة ( فرس )اخذ البطل في ( سفرة ) هي ( عبارة ) عن (بركة آسنة ) طفتْ على سطحها ( دمية ) قد سقطت من ( مراكب الشمال ) أو عندما كان ( لقاء في حافلة ) بعدما فضح ( نور ) الشمس ( خيوط العنكبوت ) التي رسمت على شكل ( عقارب ) في لوحة حملها معه في ( إجازة ) كان يسميها ( جلود الحيّات ) التي مزقها  ( مطر ) خارج ( المختبر ) او تمر بذهنه كــ ( وسواس )يحكي عن ( ساحة المدينة ) حين يراها من ( نافذة صغيرة ) تشبه حادثة ( اختطاف ) شخص رمي في ( قمامة ) بلا ( اسم ) مقابل مبنى ( الشركة )* !!
هذا كل ما قدّمه لنا الشاعر سالم محسن في مجموعته القصصية ( طابوق اصفر )ليؤكد أن الإبداع لن يتوقف على جنس ما لوحده ،أو عند نقطة معينة فقط ، بل يتعداهما إلى أجناس ونقاط ومحطات ورؤى عديدة ، كلما اجتهد الكاتب ونشط خياله في اتجاهات كتابيه مختلفة !!
مبارك لسالم الشاعر/ القاص / وكذلك الناقد ، حيث قدّم لنا أكثر من مقالة نقدية في الشعر والسرد والتشكيل ، وننتظر منه إبداعات أخرى .
• طابوق اصفر / قصص قصيرة جدا  / 2019 / البصرة
• ملاحظة :ــ  (ما جاء بين الأقواس هي عنوانات القصص التي تضمها المجموعة ) .

تعليقات