بناء خط السكة الحديدية ضفاقس ــ قفصة بعيون الصحافة الفرنسيّة

بناء خط السكة الحديدية ضفاقس ــ  قفصة بعيون الصحافة الفرنسيّة

بقلم : سالم الشعباني 

اهتمت الصحافة الفرنسية اهتماما مبالغا فيه ببناء خط السكّة الحديديّة الذي سيربط ميناء صفاقس بمنطقة الثالجة التي اكتُشف فيها اول منجم للفسفاط سنة 1985
وكان اول المبشّرين بذلك الانجاز المرتقب رئيس تحريرجريدة  LE TEMPSنارسيس فوسون       NARCISSE FAUCON       الذي كتب في سبق صحفي  بتاريخ  11 جويلية 1894 :
(( ستتحمّل الدولة التونسيّة قسطا من تكاليف بناء خط السكّة الحديديّة الذي سيربط بطول 230 كم ميناء صفاقس بجبال الثالجة لاستغلال مقاطع الفسفاط الجيري الضخمة هناك والتي ستكون حسب اعتقادنا اكبر خزّان عالمي لهذه المادة.
 الطبقات الرئيسيّة الأربع لهذه المقاطع سمكها 8 أمتار ، ويعود تاريخ تشكّلها   الى العصر الطباشيري احتمالا. وهذه الطبقات طويلة وسميكة، كميّة الفسفاط الجيري بها   تقدّر بأكثر من ستة ملايين طن.
سيتم منح السيدين كانيون  Cagniant  وبارثيليمي  Barthélémy  امتياز تركيز هذا الخط في مدة قصيرة من الوقت))
و يبدو من خلال ما كتب واضحا و جليّا اللهفة  والنهم المسيطران على عقليتة كفرنسي مستعمر لاستغلال خيرات  ومدخرات بلدنا فهو يتحدث عن المشروع وكأنّه غنيمة.
كنا اشرنا الى ان بناء خط السكّة سبق استغلال اول منجم للفسفاط سنة 1898 ونشرنا في مقال سابق تفاصيل تدشين ذلك الخط وصورة اوّل قطار مشحون بمادة الفسفاط في اتجاه صفاقس وسنعود الى وقائع حفل التدشين الاسطوري لذلك الخط  لاحقا ان شاء الله لطرافة وتنوّع فعالياته.
ثم اننا نرى نفس الصحفي يعود الى الموضوع بعد عامين على نشر مقاله الاول  ويكتب بتاريخ 24 اوت 1896:
((منحت الجمعيّة الفرنسيّة للدراسات والشركات ، ممثّلة بمديرها العام ، السيد ليون مولينوس Léon Molinos ــ اصبح بعد ذلك مديرا عاما لشركة الفسفاط  بداية شهر اكتوبر 1909 ـ، الضمان الفنّي والمالي للسيد موريس دي روبر Maurice de Robert لاستغلال مقاطع الفسفاط. الجيري بقفصة ولإنشاء واستغلال خط سكّة الحديد بين صفاقس وقفصة. وافادت برقية وصلتنا  من تونس أنّه تم امضاء اتفاق بين المديرية العامة للأشغال العموميّة  والسيد موريس دي روبار في الغرض ، وأن الجريدة الرسميّة التونسيّة ستنشر مرسومًا ملكيّا يوقّعه الجنرال المقيم العام بالنيابة باقرار  هذه الاتفاقية على ان تدفع الشركة للدولة التونسيّة رسوما بقيمة 1 فرك على كل طن و على أن  تتحمل الشركة على عاتقها كامل تكاليف تلك الاشغال دون مطالبة الدولة التونسية بالمساهمة  على حساب ميزانيتها ))
لقد ذكر الصحفي في مقاله الاوّل ان الدّولة التونسيّة ستساهم بقسط في تمويل بناء خط السكّة الحديديّة ونرى ان الاتفاق بين المؤسّسين ومصالح الادارة العامة للاشغال العمومية  ينصّ على خلاف ذلك ولم يوضّح لنا السبب.
ونقرأ في نشرية اصاداء المناجم والمعادن  L’Écho des mines et de la métallurgie بتاريخ 4 اكتوبر 1896:
((ستساهم  شركة مقطع الحديد في بعث شركة الفسفاط والسكك الحديديّة بقفصة و من المحتمل أن يتم إنشاء هذه الشركة برأس مال قدره 20 مليونً فرنك.ويتطلب بناء ذلك الخط الذي طوله 230 كم  من الوقت 3 او 4  سنوات لانجازه.)) 
وكان وزير الاشغال العمومية الفرنسي عهد الى لجنة دراسات بملف بناء خطّ السكّة المذكور بتاريخ 28 جوان 1895 وحدّد لها موعدا لا يتجاوز سنة  لاصدار توصيتها بالمواققة  على المشروع او برفضه اذا تبيّن لها عدم جدواه. وترأس اللّجنة ليون مولينوس الذي سبق ذكره بصفته رئيس جمعيّة المهندسين المدنيّين هذه المرّة. وتواصل درس الملف حتى اواخر شهر جويلية من سنة 1896 وجاست نتائج الدراسة تؤكد على:
1.انّ فسفاط قفصة من اجود واثرى الاسمدة  وكمّيته كبيرة جدا وسيكون سلعة رائجة ومطلوبة باوروبا 
2 ان مسار خط السكة ذو منحدرات منخفضة ولا يتطلب جسورا كثيرة   ويمكن أن يتم النقل في  ظروف طيّبة.
3أن تكلفة نقل  فسفاط قفصة الي ميناء صفاقس  ستكون أقل من تكلفة نقل فسفاط تبسّة الجزائر الى مينا عنّابة.
ولهذه الاسباب اوصت اللجنة بانجاز المشروع بعد ان اعلنت عن انهاء اشغالها في الغرض يوم 28 اوت 1896 وقدّمت تقريرها النهائي الى وزير الاشغال العموميّة.
ورُصد لذلك المشروع اي بناء الخط الحديدي الرابط بين صفاقس والثالجة مبلغ 14 مليون فرنك
وفي الغد اي يوم 29 اوت نشرت جريدة LE MONDE  مقالا بالبنط العريض في صفحتها الاولى:
شركة عملاقة سترى النور قريبا: شركة الفسفاط والسكك الحديدية بقفضة 
Une entreprise géante verra bientôt le jour
La compagnie des phosphates et du chemin de fer de gafsa
نوّهت فيه بالمشروع وسمّته مشروع القرن الذي سيساهم في تنمية اقتصاد فرنسا وسيغيّر نمط عيش متساكني تلك المنطقة الجدباء واشارت الى ان الشركة المزمع انشاؤها ستستوعب كثيرا من خريجي مدارس الهندسة ومراكز التكوين المهني بفرنسا ومضت تتحدث عن  دور المناجم في خلق الثروة وكأنّ تلك المناجم موجودة في احدى مقاطعات فرنسا لا خارجها

تعليقات