القوارص: ‏موت ‏الدولة ‏أم ‏موت ‏المواطن؟



بقلم / محمد نبيل الزايدي

يعتبر الإدمان على شرب الكحول "القوارص" كغيره من الإدمان على تعاطي
المشروبات الكحولية الأخرى ، التي ما انفك الإنسان الدأب على تعاطيها برغبة
منه وبشراهة كبيرة رغم ما يعانيه من مشاكل متعددة وما سينجر عن هذا
التعاطي من مخاطر وأضرار صحية واجتماعية. فمن هذا المنطلق يتوجب علينا
إعادة تسليط الضوء على هذه الظاهرة المتجددة والتي تعود إلى منتصف
الثمانينات بهذه الربوع المنسية أين عرفت أوجها في مطلع التسعينات.
ويجدر بنا التساؤل حول الأسباب التي تدفع بشبابنا لتعاطي القوارص منطلقين
من الوضع الراهن الذي آلت إليه هذه القضية في بعدها الاجتماعي.
لعل الإجابة الأكثر وضوحا و الأكثر واقعية أن الخصاصة بعد التهميش طبعا تعد
من أبرز الدوافع لانتشار هذه الظاهرة بين جميع الفئات المجتمعية في المناطق
التي وقع تهميشها وإقصاؤها قسرا من كل الاستحقاقات الحياتية إن لم نقل من
ابسط مقومات العيش الكريم. فالمفقرين والمهمشين الذين يتعاطون هذه السموم
الفتاكة حتى لو وقع تخييرهم بين تعاطي أجود أنواع الخمور وأرفعها وبين
تعاطي هذه المادة التي تباع لهم بأثمان بخسة لتشبثوا بها مما لها من قوة تأثير
ونشوة عميقة ومحفز للنسيان و الهروب من جانب ولثمنها الزهيد من جانب آخر
هذا الهروب عبر قطرات قاتلة من الواقع المرير إلى واقع خيالي يعيشونه لبعض
الوقت هو في الأصل واقع مميت عبر جرعات الموت. ف النتيجة هنا تقودنا إلى
أن هذه الظاهرة هي في مجملها بالأساس ظاهرة اجتماعية لها مخرجات نفسية
تتسبب فيها الثقافة الآثمة ألا وهي ثقافة الاغتراب وهذا ما يضعنا أمام عدة
تساؤلات وتحليلات و حيرة تدفعنا لتعميق النظر في الموضوع من عدة جوانب
ولعل أهمها هو ما أسلفنا ذكره إن لم يكن السبب الأمثل.
هل هؤلاء المتعاطين يمارسون ضربا من ضروب الماجوسية وإلحاق الأذى
بالذات؟

إذا أجزمنا بأن الإجابة ستكون نعم فلأن هذه الظاهرة التصقت تاريخيا بهذه
الربوع لما وجدته فيها من حاضنة اجتماعية متردّية ومناطق مفقرة ومهمشة على
الصعيدين المعنوي والاقتصادي هي نتاج سياسات ظالمة وغير عادلة فقد جرت
العادة أن يترعرع الضياع والعدم في حضرة الفوارق الجوهرية بين ما هو ثقافي
واجتماعي وسياسي.
هنا نتساءل إذن عن مدى مشروعية القانون الذي يمنع تصنيع القوارص

واستهلاكها وترويجها من جهة و وهل أنّ الموت الفعلي للمواطنين بالمنطقة
المنكوبة كما يحلو للبعض تسميتها كدعاية للبروز هو ناتج بالأساس عن هذا
الاستهلاك، أم أنّ المواطن ميّت لموت الدولة التي تكاد لا تحتويه ؟
ختاماً شكراً لمن أشهروا سياط ألسنتهم لنهشنا.
هنا حاجب العيون مسكيلياني إبان العصر الروماني و هنا القيروان ، نأسف إن
كانت وحدها المآسي من تذكرنا.

تعليقات