قلب الذيب، مجرد لقب لعمل درامي ام تقليب سيء الطرح للتاريخ؟ ‏

ورقة موجزة لتاريخ غير موجز:

                      قلب الذيب، مجرد لقب لعمل درامي ام تقليب سيء الطرح للتاريخ؟


بقلم: المولدي العنيزي

 

يقول ايمانويل كانط «...ان الفن هو التصور الجميل للشيء وليس تصور الشيء الجميل..."

 

ربما ومن خلال هذا القول، نعترف منذ الوهلة الأولى بأهمية الفن في محاكاة التاريخ ووجوب استلهام الاستعارات والتقنيات لإبراز العمل الفني بصورة جميلة تشد المشاهد ولو كان المحتوى قبيحا او حزينا من وجهة نظر العاطفة والحس المرهف، من هنا ومنذ اختراع السينما كانت الكاميرا هي الأداة الريسية لبلورة العمل الفني وقد تفطن مبكرا المخرجون والتقنيون لهذا، ولكن لسائل ان يسال اين موقع النص والأثر الادبي من العملية الدراميةّ؟

 

أولا وجب مني الاعتراف انني لست بمختص في الإخراج او المنجز الدرامي وساترك هذا لأهل الاختصاص ،و لكن من موقعي كباحث في التاريخ الثقافي و الاجتماعي، ان اقف و لو ايجازا على احداث مسلسل قلب الذيب باعتباره حمالا لفترة مهمة من تاريخ الحركة الوطنية التونسية الا و هي فترة الاربعينات، بحثت في بعض الدراسات و استشرت اهل الذكر في مفهوم الفنتازيا التاريخية و اذكر ان هذا المصطلح قد شدني و انا لازلت يافعا بمشاهدتي لأعمال درامية سورية مثل الكواسر و البواسل و شقيف و غيرها ،ولكن اليوم اخذ هذا المصطلح في التموقع في الاعمال الدرامية التونسية و لعل ابرزها ما نشاهده اليوم على القناة الوطنية و كم كنا سعداء بإنتاج اعمال تونسية تاريخية تقطع مع الرداءة و مع استيراد الاعمال التافهة منجز فني يعول على العنصر التونسي لصياغة العملية الإبداعية،و لكن هل يجوز للأبداع ان يتجاوز التاريخ ؟بمعنى هل يكون الابداع ابداعا فقط بمحاكاته للتاريخ والمرور على الهامش؟

 

يتناول المسلسل حقبة الاربعينات  بزخم احداثها من تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20حانفي 1946بالمدرسة الخلدونية  الى نفي الزعيم محمد المنصف باي الى الاغواط بالجزائر ثم الي منفاه الأخير ببو الفرنسية و انقسام الموقف بين مؤيد لقوات المحور و احتلالها التراب التونسي سنتي 42و43 وبين رافض لها،الى تخبط فرنسا الاستعمارية بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية "ولو منتصرة"وكيف تعاملت مع الوضع التونسي والقيادة الدستوريةوالتي على مااظن،ان السيناريو قد حصر هذه القيادة في تعلقها الاعمى بمفهوم الحداثة حيث ان جل اجتماعاتها ولقاءتها كانت ضمن لهو الخمارات وان قراراتها المصيرية كانت خارج وعي المؤسسات.

نعود لفترة الأربعينات، التي شهدت اوج تجذر الحركة الوطنية من خلال تنظيم مؤتمر ليلة القدر في 23اوت 1946 حيث وحد هذا المؤتمر جل مكونا ت الحراكالتونسي، فترى الحزب القديم قد دعم الحركة المنصفية والطلبة الزيتونيين، وترى الحزب الشيوعي التونسي يدعو الى تونسة الإدارة، وترى الدستوريون الجدد قد رفعوا شعار تدويل القضية بمعاضدة الاتحاد العام التونسي للشغل مما دفع بالجامعة العالمية للنقابات الحرة الى تبني موقف المدافع عن كل المستعمرات في حق تقرير مصيرها. فترة الاربعينات كذلك قد شهدت ديناميكية اجتماعية ومجتمعية كبرى تمثلت أساسا في حركية الصحف وحركة النشر وتوق التونسي للتعليم وقضية حرية المرأة والانتماء القومي العروبي ولا فقط الإسلامي خاصة بعد تأسيس الجامعة العربية سنة 1945.

 

اكتب هذه الورقة الموجزة وكنت قد اثرت على نفسي ان اكتبها بعد استكمال حلقات المسلسل المذكور علني قد سقطت سهوا في تصنيفه او في التحامل عليه، ولكن، أجد نفسي اكتب انطلاقا من مبدا انصاف التاريخ لا المرور على الهامش، ومن جهة أخرى، عندما يتعلق الفن بالأيديولوجيا سنسقط حتما في تشويه التاريخ وسنعود الى المربع الأول أي من يكتب التاريخ؟ حتما هو المنتصر وفي هذا إحالة واضحة على الوضع السياسي الراهن في تونس والمشهد الحزبي وفي هذا أيضا يمكننا ان نفتح ملفا اخر حول علاقة السياسي أي رجل السياسة بالعمل الثقافي عامة وبالمنجز الدرامي خاصة، نحن نعلم ان الدراما قد غزت البيوت ونحن نعلم كذلك ان التونسي قد بدا في الابتعاد عن إعادة قراءة تاريخيه، من هذا المنطلق وجب على النخبة ان تعيد المسك بزمام الأمور وصياغة العملية الإبداعية بمعزل عن كل اكراه سياسي او تموقع حزبي.

أوجزهذا، واطرح بدوريسؤالا، هل ان هذا العمل الفني قد جمل فئة دون غيرها ام انه قد اعطى لقيصر ما لقيصر؟

اترك لكم الإجابات وانتظر تفاعلات فكرية من المختصين في تاريخ تونس المعاصر لا فقط الفنيين والمخرجين والذين ربما خانتهم الكاميرا او دفعتهم لإسقاط جزء مهم من المسكوت عنه في مثل هذه السيناريوهات، اترك لكم هذا عملا بما جاء في ادبيات مدرسة الحوليات بان التاريخ المعاصر لم يعد تاريخا للأحداث والاخبار، بقدر ما أصبح تاريخا للذهنيات والأفكار.

 


تعليقات