حاجب العيون،خاصرة منسية لوطن منسي

ورقة موجزة لتاريخ غير موجز

حاجب العيون،خاصرة منسية لوطن منسي

لم يظلمها التاريخ و لم تظلمها الجغرافيا،فمنذ القدم وضعت تلك المدينة اكثر من قدم في اركان التاريخ و كانت سيدة  الجغرافيا عندما توسطت قلب هذا الوطن.  كانت سليلة حضارات و ثقافات متنوعة بدءا بمينوزيفيانا و مسكلياني  الرومانية الى حاجب جعفر الاسلامية الى حاجب العيون ابان الدولة الوطنية،استقر بها  المسلمون قبل تاسيس القيروان  بقيادة عبد اله بن ابي سرح سنة 27هجري بعد موقعة جرجير واستقر بها خليط من الاجناس و الاعراق من اوروبين ويهود ومالطيين وطرابلسية ومشارقة و غيرهم قبل الاستقلال وبعده ولازال هذا الاثر واضحا الى اليوم وانت تصفح سجلات الحالة المدنية لتقف  على تنوع الالقاب وثراء مسمياتها واسماءها،كانت مدينة و لم تكن قبيلة  تربعت على ثروة مائية وفلاحية استثنائية  الأهم على ثروة بشرية استثنائية  ساهمت في بناء الدولة الوطنية بعقول أبنائها ووعي نخبها و مثقفيها واوجدت مناويل تنموية طلائعية منذ ستينات القرن الماضي فانتصبت المصانع و المرافق و المؤسسات و الحانات و النزل بتلك المدينة الحالمة واستقطبت حجاجا لها من المدن المجاورة و  من المركز وكانت العائلات خاصة القيروانية منها، ترسل أبنائها للتعلم في مدرسة المبيت  إحدى أعرق مؤسسات التعليم و الإقامة في مستوى مرحلة الابتدائي . انطلق مهرجانها الصيفي سنة 1964 في نفس العام الذي أسس لانطلاق اكبر المهرجانات الثقافية الوطنية على غرار قرطاج و الحمامات، الفت في ثناياها الكتب  ونقشت اللوحات التشكيلية و نشطت الحركة المسرحية و السينمائية خاصة فترة السبعينات وصولا إلى منتصف  ثمانينات القرن الماضي وقد شهدت لحسن حظي آلة السينما 35ملم و قبلها السينما في حيط اي السينما المتجولة .

ومنذ منتصف الثمانينات بدأت المعطيات تتغير كحال اغلب المدن الداخلية فالدولة قد رفعت اليد عن دورها الاقتصادي التعديلي تزامنا مع تجربة الإصلاح الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي منذ 1986 و تحول رأس المال الوطني إلى ذراع خاص خدم الخاصة اكثر من العامة فركنت تلك المدينة مثلها مثل عديد المدن الاخرى على الهامش فانتشرت الجريمة و الفقر في محيطها و ضعفت نسبة التمدرس و تراجعت الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بها وأغلقت مصانعها و سرح عمالها وصدرت الكثير من أبناءها و بناتها  يد عاملة رخيصة و سواعد تعيسة الى الميتروبول الاقتصادي الجديد  و أضحت خزانا انتخابيا لتجار السياسة و الدين .

أوجز قولي هذا ولا ابرر الجريمة ولا السلوك البشري الهجين و لكن من لم يكن بلا خطيئة فليرمها بحجر والخطيئة الكبرى هيا تخلي الدولة عن عمقها بسياسات هدامة في مستوى الاقتصاد و المجتمع و الصحة والثقافة و التعليم ،سياسات أثبتت قصورها و فشلها بمشاريع وهمية أهملت الأصل واحتفت بالفرع ولا عمري فرع هجين لم تنجح عملية انبتاته في هذه الأرض الطيبة، 

ان دولة المجبى محمولة على عاتقها توفير الحياة لدافعي هذا المجبى،وتموين البطون لا يخفي او
 ليس له السبق على تحرير العقول ،وفي النهاية هيا دعوة للسلطة كما لأبناء المدينة على عدم الاستقالة فلازال في هذه الأرض و عليها ما يستحق الحياة.

بقلم مولدي العنيزي

تعليقات