الحلم ‏الذي ‏نعيشه ‏واقعا

الحلم الذي نعيشه واقعاً
قراءة في رواية ( قصر الثعلب ) للروائي إبراهيم سبتي

# عبد السادة البصري

(( نهضتُ في فراشي مفزوعاً لأجدني في غرفتي الخاصة في بيتي ، ونافذتي ما زالت مشرعة على صباح البيوت الهاجعة المتلفعة بأحلامها )) ص143 
بعد رحلته الكابوسية رغم جماليتها ومتعتها ، ينتهي بنا الروائي ( إبراهيم سبتي ) في مكانه الأزلي ، بيته الحميمي في مدينته ذات الطيبة المفرطة ، التي قدّمت ما قدّمت من ضحايا وقرابين طيلة عقود وسنوات ، بعد أن تركت رحلة ( شاهين ) بطل الرواية التي كان قد قرأها مؤخراً أثراً في نفسه ، دغدغ بعض مشاعره المكبوتة ، لما عاشه شاهين من متعٍ وملذّات في بلاد الغربة رغم قساوة الغربة التي كانت وما تزال حلما يراود الكثير منّا ،،
(( ذهب شاهين الى ذلك العالم الذي طالما صار وجهتنا وأمانينا التي لا تنتهي والمغيث للملهوف الراكض نو حافّة الحلم )) ص7 
اذ ما أن غطَّ في نومه ، حتى وجد نفسه في طائرة فخمة من تلك التي يمتلكها الأمراء والملوك ونجوم هوليوود ، حيث استضافته من قبل الممثل كلينت ايستوود في قصره المنيف ، ولكون شاهين في الرواية تلك كان صانع حكايات عجيبة ، أخذ الرواي العليم ــ أنا الكاتب ــ بسرد حلمه كرواية أخرى ، فما أن حلّقت الطائرة حتى حظي بحفاوة التكريم ولياقة الاستقبال الذي لم يكن يحلم به طيلة حياته ، وصولا إلى عتبة القصر التي يحرسها تمثال ثعلب كبير انتصب عند مدخلها ليقول للقادمين :ــ أعرفكم جيداً فلا تتحايلوا علىَّ ،، ولكوننا نحن الجنوبيين (( طيبون ولكن لسنا بلهاء )) كما يقول الراوي في ص10 ، سنعيش الحلم بكل تفاصيله ، بعد أن انتحل محمد صفة أخيه ( احمد الناصري ) المعجب الذهبي بالنجم ايستوود والذي دعاه الأخير لتكريمه في قصره المنيف ضمن حفلة باذخة اعد لها مسبقا ، إلاّ أن أحمد راح ضحية انفجار سيارة مفخخة أمام ملعب المدينة ذات نهار !!
لكن بعد اكتشاف لعبة محمد ، ووقوفه حائراً أمام النجم وحاشيته ، وتساؤله ماذا سيصنع وهو يلاقي العقاب المنتظر وربما الموت ، هنا يقرر الهرب نزولاً عند نصيحة السوداني (( إدريس )) الذي يعمل منذ سنوات في قصر الثعلب ، وبعد تفكير وتمحيص ورعب يقرر الهرب في سيارة القمامة وفق الخطّة التي رسمها له إدريس ، ثم الى الميناء للعودة بسفينة متخفيا الى الوطن ، ليعيش ساعات طويلة من الترقب والقلق والخوف من مجهول ، بعد ذلك يصادف (( رضوان )) المصري الذي حاله نفس حال بطلنا الهارب من حفلة التتويج الذهبية ، كون رضوان قد عاش نفس القصة التي عاشها الناصري محمد بعدما انتحل صفة أخيه المعجب الذهبي الثاني بالنجم ايستوود ، والذي فارق الحياة أيضا !!
منذ إقلاع الطائرة الرئاسية وحتى وصول المروحية التي أخذت رضوان من السفينة بعد اكتشاف أمره للبحّارة والتبليغ عنه ، نجد الراوي يسرد لنا معاناة العراقيين في حروب  لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، سوى أن يكونوا حطباً لرغبات قادة متهورين عاشقي حروب ودماء ، ليتذكر نفسه وحاله عندما كان جنديا في حرب الثماني سنوات وما فيها من مآسٍ ودمار ، مروراً بحرب الكويت وما جرى فيها من موت بالجملة وتناثر الجثث على قارعة الطرقات محترقة مع الآليات بفعل قصف الطائرات المهاجمة ، وصولاً الى الحرب الأخيرة وما خلّفته من خراب في النفوس والضمائر والأخلاق ، وهروب الشباب بحثاً عن ملاذات آمنة حيث أن (( الأوطان لم تعد آمنة )) ص70 ، لينتهي البعض منهم طعاما للكواسر والأسماك المفترسة نتيجة جشع المهربين وإجرامهم في شتى بقاع الأرض.
(( اشتركت بحربين ضروسين ساحقتين ماحقتين ولم أمت فيهما )) ص85 
ورغم كل ما مرّ بخاطره من ذكريات إلاّ انه يستدرك محاكيا نفسه :ــ
(( لا أدري هل أفشلت لهم كل التحضيرات بفعلتي الشنعاء وأطحت بهيبتهم التي بنوها بالشهرة والمال وأفلام القوة التي لا تنتهي )) ص102 ،، ليقول لنا :ــ ان الأمريكان يصنعون مجدهم إعلامياً ، بأفلام الاكشن والقوة والبطش ، وتصوير إنسانية جنديهم رغم ما يقتله من بشر ، لكنهم في الحقيقة خائفون مرعوبون من الداخل !!
إبراهيم سبتي بحلمه الكابوسي هذا صوّر لنا عالماً من البذخ والترف الأمريكي المصنوع بالفهلوة والشقاوة وقتل الآخرين ، بالإضافة الى طيبتنا وأحلامنا الفقيرة التي ما انفكّت تداعب خيالاتنا بالعيش في سلام وأمان رغم كل شيء !!
انه صوّر لنا رواية بحلمٍ نكاد لا نبتعد عنه كثيراً ، بل نعيشه واقعا كل يوم ، من خلال ما نراه على شاشات السينما والتلفاز ، وما يداعب مخيلتنا من أفكار وطموحات ورغبات بحياة أجمل وأبهى ، رغم الخراب والموت والإرهاب الذي يقضُّ مضاجعنا كل لحظة !!
مبارك لك يا إبراهيم حلمك هذا ، وأتمنى أن يتحقق وتعيش أجمل اللحظات .
# قصر الثعلب / رواية / 2019 / دار الفؤاد للنشر والتوزيع ــ مصر.

تعليقات