نبتكر حقائق لنبعد أسى الفراق

نبتكر حقائق لنبعد أسى الفراق
قراءة في قصائد الشاعرة الجزائرية ( نورا تومي )

      # عبدالسادة البصري / العراق

( لست وحيدةً
  معي بعض ظله !!)
مهما ابتعد الآخرون عنا ، ومهما تناءوا في البعد ، يظل ثمة خيط ضعيف يشدهم إلينا ، تراهم غائبين جسداً ..حاضرين روحاً وذكرى ، فالغياب الذي يثقل بكاهله أيامنا نتغلب عليه بإنعاش الذاكرة دائماً ، وخلق حكايات وأشياء محسوسة وملموسة تجعل للغائبين مكانهم الموجود في كل أرجاء حياتنا..حيث نفتح كوة صغيرة في جدار ذاكرتنا لتمر منها حكايات وصور وبقايا من أرادوا الرحيل والنأي عنا ...
لهذا نجد الشاعرة الجزائرية ( نورا تومي ) تؤكد ذلك عبر كلماتها التي تصر على وجود هذه الكوة التي يمر منها بصيص ضوء ، فهي تقول للآخر الذي آثر أن يترك بغيابه فجوة لن تردم ، انك لم تستطع أن تؤشر غيابك بشكل كلي وملموس ، ولم تستطع أن تهيمن على وحدتي بقلق الفقد، لأنني أدركت رحيلك أو نيتك به ، فارتأيت أن أحتفظ بالقليل منك دون أن تدري ألا وهو ظلك أو صورته من خلال قميصك المرسوم على الحائط والأريكة والكتاب الذي طرزته بتوقيعك وصدى ضحكتك والتماعة عينيك ساعة الوداع حينما تلألأت دمعة بين جفنيك ..لأنني بتلك اللحظة رسمتك كاملا في أعماق الروح !!
هنا تؤكد الشاعرة أن الإنسان مهما نأى عن الآخر سيبقى منه شيء ما ..وهو حضور الظل وبطلان الفقد ، عبر لحظة ممكن أن تكون عابرة لكنها ارتسمت في الذاكرة :ــ
( التماعة عينيه عندي 
  ودفء راحتيه
  وكل ذاك النهار الوجيز
  كله وان لم يعد
  غير اشراقةٍ
 ومضة ..مرت سريعاً
 لحظة ..عطرها في دمي
 تلكم اللحظة العابرة )
بهذه اللحظة احتفظت بشيء منه لهذا لم يعد غائباً..وتظل تؤكد ذلك من خلال إصرارهاعلى حضوره الكلي وعباراتها المترادفة :ــ
( غداً يرحلون..
يمرون
مثل الظلال الصغيرة
تحت القمر )
بمعنى أنهم يرحلون ..نعم ..لابد من ذلك ، لكن رحيلهم هذا لن يكون نهائياً ، فبقاياهم تظل بين أيدينا وأمام عيوننا ..تظل تحاكي الزمن بكل ما تركوه :ــ
( استودعوا القلب ضحكاتهم
 غرسوا بين أحلامنا 
السوسنا !!!)
ومع كل ما يتبقى من الراحلين إلا إنها ــ الشاعرة ــ تخاف من الغد ..وهذا شيء بديهي فالكل لا يعرف ماذا يخبئ له الغد من فواجع وآلام وأفراح ،،وربما يعيد الغائبين أيضا ، لهذا تقول للغد إن كان مجيئك حتمياً ولابد منه فخذ جانب الطريق البعيد كي لا تمر بالقرب منا، لأنك تذكرنا بالفقد وتعيد آلام الفراق وغياب الراحلين مرة أخرى والذي حاولنا بشتى الوسائل نسيانه من خلال صورهم وذكرياتهم التي تحسسنا بوجودهم الدائم بيننا حيث  ما انفكت تداعب خيالاتنا البريئة :ــ
( يا غداً..
لا تجيء...تمهل
وان كان لابد تأتي
تنح
وخذ جانباً في الطريق البعيد
بنا لا تمر
لكي لا...
يمر الفراق بنا !!)
هنا تعطينا صورة على مقدرتها الكبيرة برسم الأمل حقيقة ظاهرة للعيان، ومهما حاول الفراق أن يهيمن بكليته على حياتنا فلابد أن نهيئ أنفسنا للاصطدام به وتلقينه درساً بأن الأمل يسكننا..تقول لا تجعلوا من الفراق سيداً عليكم ، بل حاربوه بأمل التذكار وترقب عودة الغائبين حتى وان بقيت أحلامنا مؤجلة وتنتظر على شواطئ الوهم سنوات :ــ
( أنا ترنيمة ترسو
  وأشرعتي تريد الآن
رافعها
وناشرها
وراعيها ..)
الشاعرة ( نورا تومي ) بقصائدها الثلاث ( حينما تورق الظلال ،،وغدا ومضوا ،،وتلويحه) تؤكد على إنها تفتح كوة لبصيص أمل حقيقي بأن الفراق لن يؤثر علينا إذا استطعنا أن نرسم على صفحات الذاكرة صور الراحلين وبقاياهم وكأنهم مازالوا يعيشون بيننا يشاركوننا كل شيء...
( نورا ) شاعرة تحاكي الفراق بصور حية متحركة تطفو على سطح الذاكرة لتوشم الأيام بآمال لابد أن تتحقق ذات يوم .

تعليقات