راعي ساحة الحكومة

 راعي ساحة الحكومة

بقلم / الناصر التومي 

أخرج الخرفان من المخزن، اندفعت في الممر في اتجاه ألفته، آنس تقضية
بعض الوقت يرعاها بأطلال القشلة بساحة الحكومة، كما كان يرعى غنم والده
في القرية.
حل والده بالعاصمة منذ سنوات وبقي مع والدته بالقرية، ولما بلغ سن الدراسة،
رٍأى والده أن بنيته ضعيفة ولن يتحمل التنقل إلى المدرسة الابتدائية التي تبتعد
ثماني كيلمترات من البيت، واستوجب الأمر أن يلتحقا به حيث يقيم ويعمل.
فوالده إضافة إلى اشتغاله ببيع الخضر والغلال فهو يربي الأغنام بمخزن بالمدينة
العتيقة.
شقت الأغنام طريقها في ظلام صباط الظلام، يخاف هذا المكان، الأطفال يرددون
حكايات غريبة ومخيفة عن عصابة تشنق الناس في أحد دهاليزه، يقشعر بدنه
والظلام يلفه، ولا يتنفس الصعداء إلا بعد أن يجتازه ويتيقن من مرور كل
الأغنام.
ما يضجره أن الأطفال يعيّرونه برعي الأغنام وقد نشروا الخبر حتى بين تلامذة
مدرسته، لكنه لا يأبه كثيرا، فهو يجد في هذه الفسحة ما يذكره بالقرية و الأغنام
بعيدا عن ضيق الأمكنة في المسكن الذي لم يألفه إلا مكرها.
أسرعت الأغنام لما ظهر النور من جديد بعد خروجها من صباط الظلام،
وتابعت طريقها ترتقي مدارج بئر الحجار وكان عليه أن يسبقها قبل أن تندفع
تقطع الشارع فتصدمها السيارات، جمعها على الرصيف ولما خلا الشارع نسبيا
من السيارات أطلقها نحو الرصيف الثاني.
لما رأى والده أن باستطاعة ابنه ساستها تركه بمفرده يخرج معها في الأمسيات
التي لا يدرس فيها، فقط نبهه بالانتباه وبشدة عندما يهم باجتياز مفترق ساحة
الحكومة، فقد تجنح الغنم أو بعضها إلى الحديقة لما فيها من خضرة وزهور.
ضحك في سرّه وهو يتذكر أحد الجيران خرج معه عدة مرات ومعه خروف
العيد يقول له وقد وقف في انتظار مرور سيارة رئيس الحكومة ترافقها من قبل و
من دبر دراجات نارية ضخمة:
ـ أترى إنك وراكب تلك السيارة الفخمة تشتركان في أمر واحد.
لم يفهم الطفل مقصد الرجل، بقي صامتا، لكن الرجل أردف من جديد:
ـ أنت وذلك الرجل تشتركان في وظيفة الرعي، هو يرعى هذا الشعب وأنت
ترعى تلك الشياه، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وكلما التقى الطفل بذلك الرجل ردد عليه:
ـ كيف حال شياهك أيها الراعي؟
فيجيبه الطفل:
ـ هي بخير
ـ لا تغفل عنها كما غفل راعي الشعب ساكن ذلك القصر وراكب تلك السيارة
الفخمة.
حاول أحد الخرفان الزوغان وولوج حديقة مدفن زعيم الشغالين فأسرع إليه
وأعاده إلى القطيع، دفعها لاجتياز ماتبقى من الشارع ونهرها من أن تجنح إلى
حديقة ساحة الحكومة، فتلك أصعب مرحلة في مهمته، لكنه اصطدم بعمود حديدي
لم ينتبه إليه من الارتباك، سقط على الأرض، تحامل على نفسه و نهض يتحسس
جبينه، لاحظ دماء تكسو يديه فثيابه، لكنه لم يأبه وحاول التدارك والهيمنة على
القطيع، لكن الأمر خرج عن السيطرة، ففي سقطته جنحت الغنم إلى حديقة ساحة
الحكومة وتوزعت في أطرافها، هرول نحوها يهشّها لإخراجها، لكن أحدهم
يختطفه من تلابيبه يهزه هزا ويصفعه وهو يردد:
ـ ما الذي فعلته؟
ودون أن يفهم الطفل ما يقال له كان يردد:
ـ أنا راعي الشعب
ـ نعم، ماذا ترعى؟
ـ الشعب، أعني الشياه.
اقتيد إلى مخفر الأمن القريب يحقق معه فيمن وسوس له بأن رعاية الشعب
شبيهة برعاية الشياه.

تعليقات