مزالي رفض دفع منح للكتابوالأدباء

عزالدين المدني



تلك هي الموجة الأولى من الكتاب المؤسسين ’ ثم وقع 

البحث عمن كتبوا القصة الفنية قبل تأسيس النادي بقليل من أمثال رشيد الغالي ان لم تخني الذاكرة . على كل تلك موجة من المنتمين الشبان الجدد  الذين انخرطوا في النادي بعد الاطمئنان الى كتاباتهم القصصية السابقة على الانخراط . واول من انخرط هو المرحوم سمير العيادي في الموجات التالية .

لم يكن سمير العيادي (مثلي) منتميا فقط لنادي القصة وحضور اجتماعاته الأسبوعية ومشاركا بالإبداع الجديد وبالمناقشة .

كان له نشاط (مثلي) خارج نادي القصة ’ نشاط كثيف ومتنوع يكاد يكون يوميا .

أول ما عرفته كان ذلك سنة 1964 أو سنة  1965 إن لم تخني الذاكرة . قدّم لي وأنا في قهوة الروتندة بالكوليزي مسرحية قصيرة . كان شابا مازال خارجا من عهد المراهقة وداخلا الى عهد الشباب والفتوة . من ذكر له يومئذ اسمي؟ قد يكون الفنان المسرحي والرسام والكاتب ’ الذي كانت تربطني به علاقة حميمية /انه فرحات يامون رحمه الله . كان فرحات ممثلا ممتازا وكان سمير العيادي يهوى المسرح والتمثيل ’ واضطلع بأدوار عديدة بعد ذلك سواء في المسرح أو السينما وأخيرا التلفزة .

كان يحتك بي يوميا بل مرات عديدة في اليوم الواحد كما كان يحتك بفرج شوشان الناقد المسرحي المعروف أطال الله في عمره.

كان سمير العيادي ذا فضول ثقافي وأدبي وفني ’ ذا فضول عظيم خاصة بالإبداع ’ بالجديد لا يشبع منه ولا ينتهي .  فأراد أن يعرف وأن يغوص على الآداب والفنون المختلفة وأن يحتك بمبدعيها التونسيين والأجانب .

وقد لعب سمير العيادي دورا مهما في نطاق مسرحيتي الممنوعة " راس الغول أ فتوح اليمن " سنة 1965 وانكب على إعادة كتابتها في شكل حوار مع الفنان الممثل محمود الأرناؤوط وكنت غير موافق على تلك الصيغة ولكن هذه مسألة جمالية أخرى ...وانضم إلينا محمد الفاضل الجزيري بالإضافة إلى فرحات يامون .

كانت اهتماماته الأدبية والفنية متعددة ’ كما كانت أماكن نشر الإبداع الجديد والتنشيط الفكري والفني متعددا أيضا ’ فلا بد  من توسيع المجالات

رحم الله الصحفي الكبير صلاح الدين بن حميدة رئيس تحرير جريدة العمل . ويرجع له الفضل العظيم في العمل على أن تكون الجريدة مكان لقاء الكتاب والمؤرخين والمفكرين من الشبان والشيوخ ’ من الرجال والنساء على قلتهن .

كان يحب الأدب والقصة والمسرح حبا عميقا لا مثيل له حتى صار لديه كالولع . وله فضل عظيم على الإبداع الأدبي والفني وعلى النقد والرأي  المختلف الوجيه . وكان يسأل عن فلان الذي لم يقدم شيئا إبداعيا جديدا هذا الأسبوع أو هذا الشهر ’ ويشجع على الكتابة وعلى الإعلان عن الأفكار ووجهات النظر والآراء مهما كانت وتكن ’  مع أنه كان مسؤولا بارزا في الحزب الدستوري الجديد في فترات الستينات والسبعينات من القرن العشرين . وقد اشتهر عند الصحافيين والمثقفين وأصحاب السلطة بأنه منظم في أعماله ’ ومرتب في مشاريعه ’ متوفر الذكاء لحلّ ما يطرأ من المشكلات والعقبات . وظاهر أنه  تربى في مدينة المنستير وتكوّن في نطاق الكفاح السياسي البورقيبي وبذل الجهد في سبيل الآخرين . وإيمانه هو تونس إلا تونس ولا غير تونس ومن أهم مميزاته ضمن مسؤولياته الصحفية والسياسية تجاوز نطاق السياسة المتبعة ’ فمدّ يده إلى الماركسيين والى المعارضين للنظام البورقيبي . بالإضافة إلى حرصه الشديد على تحريك المجال الثقافي التونسي وتنشيطه . ويوم طلبت منه أن يدفع أجورا للمشاركين في تحرير العمل الثقافي من كتّاب شيوخ وشباب ’ من كتاب الشهرة وكتاب فتيان يتوقون إلى أعلى  وأوسع وأعمق ’ استجاب لطلبي ودفع لهم مبالغ نسبية . ولذلك ذهب وفد من الكتّاب الشبان لمطالبة محمد مزالي صاحب مجلة الفكر ان يدفع منحا ولو زهيدة لكل من يكتب في مجلته ...

ولكن محمد مزالي رفض . وكان صلاح الدين بن حميدة يؤمن بالكتابة الإبداعية بأنها عمل مثل عمل أي مواطن يجب تأجيره ولو بإمكانيات متواضعة .وقد تولى رئاسة تحرير صفحة " أدب وثقافة " ( التي ستتطور فيما بعد لتصبح " العمل الثقافي ) الشاعر الهادي نعمان والدكتور الحبيب الجنحاني وشيخنا محمد العروسي المطوي والأستاذ فرحات الدشراوي . وكانت لي الكلمة المسموعة في فترات رئاسة تحرير محمد العروسي المطوي وفرحات الدشراوي اللذين اقتصر عملهما على كتابة افتتاحية العدد ثم  ولاّني صلاح الدين بن حميدة الإشراف المباشر على العمل الثقافي وذلك مع مشاورته طبعا بوصفه المسؤول الأول والأخير عن الجريدة .

كنت أعمل بالتعاون مع محرري الجريدة الصحافيين وكذلك بعملة المطبعة . ولكن أيضا كانت تحيط بي كوكبة من الشبان المبدعين في مجالات القصة والشعر والمسرح وكذلك النقد الأدبي والمسرحي والتشكيلي والمعماري الهندي والموسيقى إلى جانب التصوير والتخطيط والكاريكانور والسينما

وكان يحيط بي سمير العيادي والحبيب الزناد واحمد حاذق العرف واحمد القديدي ووحيد الخضراوي والطاهر الهمامي وليعذرني  من لم اذكرهم لنسياني من جراء طول العهد ...وان أنسى فلا أنسى محمد صالح بن عمر وهو في أول الشباب وفجره

وكنا نتقابل مرات ومرات في الأسبوع الواحد لا في مقر الجريدة فقط بل في المقاهي كقهوة المغرب وقهوة الروتندة بالكوليزي وقهوة تونس ثم قهوة باريس خاصة في آخر الصباح وكذلك في العشايا .

وجل المنتمين لنادي القصة مثل محمد صالح الجابري وحسن نصر واحمد الهرقام ومحمد يحيى لم يكونوا منظمين للطليعة التي تكونت شيئا فشيئا عبر الأشهر والسنين وعبر التجارب لكل فرد منا وعبر الأصداء التي ترد علينا من الإذاعة والتلفزة والجرائد الأخرى ’ سواء بالتأييد أو بالاعتراض وبالمعارضة .


تعليقات