الزناد والعيادي والتونسي وبلخوجة والمهداوي


عزالدين المدني 

ثمة قواسم مشتركة فكرية على كثير من المستويات تجمع بيننا جميعا . فيأتي كلّ واحد بإنتاجه الجديد (كنت أكره كلمة إنتاج - والإنتاج عندي إلى هذا اليوم إنتاج البطاطا وحكك المصبرات- فغالبا ما يكتظ أعمال الجماعة على صفحات العمل الثقافي فتفيض لنشرها في العدد الآتي أو في مجلة الإذاعة والتلفزة مثلا ولربما أيضا في جريدة الصباح او في جريدة الشعب النقابية .

وكانت العصبية (حسب المصطلح الخلدوني المعروف تربط الجماعة بوثاق فكري قوي جدا تتضمن روابط عديدة منها بذل الجهد بلا حساب في سبيل الإبداع الجديد . وهو الخلق التام الصفات ’ رفض التبعية لأدب المشرق ولفن أروبا الغربية وفكرها والانحياز الإبداعي لتونس ولتونس وحدها لا غير ’ نقد الآخرين الأجانب مهما كانت وتكن موهبتهم المتميزة وشهرة أعمالهم’ حتى يكون المبدع التونسي ندّا لأنداد آخرين . ولا يعني ذلك أننا لا نحترم الآخرين وأعمالهم وإنما عندما نسافر إليهم ويسافرون إلينا نناقشهم بصدق دون تجريح ولا خصام ولا تغليب العاطفة على العقل .

ومن تلك الروابط أيضا الانتقال بيسر بين الأجناس الأدبية فلم نقتصر على كتابة القصة فقط بل نكتب الرواية والمقال الفكري والمسرحية والنقد الأدبي والفني إذ نؤمن بأن لا وجود لحدود تفصل بين الأجناس الأدبية من حيث الإبداع بل لا وجود لحدود بين الفن والفن ’ ولا وجود لحدود بين الإبداع الأدبي والنقد الفني ولا بين التقييم والتنظير ولا بين الأدب والفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية وفقه اللغة وعلومها القديمة والراهنة في العالم .ومنها أيضا الابتعاد عن السياسة الظرفية والمناسبتية  والدعائية التدجيلية ولا تسقط في رداءة القول بالضدين إما الالتزام وإما الفن للفن قضية الزيف والاهتمام المركز على الإبداع الأدبي والفني وباختصار الإبداع الفكري إذ الإبداع الثقافي إنما هو فوق السياسة لا تحتها ولا في خدمتها حسب الرؤية الشيوعية الستالينية التي انتقدناها انتقادا مرّا وقتئذ ’ بل الإبداع الثقافي لا يقل قيمة وشأنا عن الشأن السياسي القيادي لأن الابداع يرفض رفضا باتا لا تراجع فيه الوصاية مهما كانت مآتيها السياسية واللغوية المحافظة والتعابير السائدة التي كنا ومازلنا نسميها كليشيات..

ومن تلك الروابط الرفض والشك والبحث عن الحقائق وحرية الخلق واحترام  الكاتب الخلاّق واحترام أدبه وفنّه واحترام الزّاوية التي ينظر بها إلى الإنسان والعالم’ ولا سيما الأدب والفن والفكر إجمالا . فلا تفاضل ولا تمايز بين هذا وذاك من الطليعيين إلا عند أصحاب الأنطولوجيات والمنتخبات والجمهرات (حسب المصطلح القديم)

وآخر ما أذكره في هذا السياق أن الكاتب الطليعي صار في مستوى العالم’ ولذلك أحداث ووقائع سأشير إليها لاحقا في هذا المعنى . فالحبيب الزناد الشاعر المجدد والمبدع الجميل قد استعمل "عروض" الهايكاي الياباني وأجاد فيه إجادة فريدة ’ وهو رأي يابانية بعد أن حاولتُ أن أترجم لها شعر الحبيب الزناد . فسألتني أين هذا الشعر العربي؟ وهل هناك مجموعة شعرية لهذا الشعر التونسي؟

وسمير العيادي انتقل ذهابا وايابا بين القصة والمسرح والسيناريو والتمثيل واجاد فيها جميعا وانخرط محمود التونسي في نادي القصة واعمال ومشاريع الطليعة وقد كان رحمه الله رساما ونحاتا ومصورا قبل أن يمارس الكتابة الابداعية الأدبية في القصة والسرد الروائي . فجاءت قصته " صحن كفتاجي بالعظمة " رسما بالكلمات كأنها لوحة تشكيلية ..سأتحدث فيما بعد عن علاقة الابداع الأدبي بالابداع التشكيلي على صعيد الجماليات وذلك بعد لقائي وعشرتي بالرسام العبقري نجيب بلخوجة وعشرتي ومحبتي لأعمال الرسام النابغة الموهوب نجا المهداوي .


تعليقات

  1. مرحبا
    هل من الممكن توفير رابط لقراءة أو تحميل قصة صحن كفتاجي بالعضمة للمرحوم محمود التونسي؟
    مع وافر الشكر والتقدير

    ردحذف

إرسال تعليق