كيف تأسست مجلة ثقافة؟


عزالدين المدني 


كنت ومازلت أكون فكري وأنا في هذه السن . وقرأت الأعمال العربية المثلى التي درستها مبكّرا على أيدي الشاذلي القليبي ومحمد عطية ومازلت أقرأها إلى هذا اليوم ’ وذلك إلى جانب ما اطلعت عليه من الآداب الأجنبية ولا سيما الفرنسية ومازلت أطالع وأستفيد . وقد درست خلال ذلك كلّه الفلسفة الغربية على يدي الأستاذ الصربوني نزيل تونس ليشتنبرجي ثمّ درست الفلسفة العربية الإسلامية .

لم أكن أتحدث عمّا قرأته من المؤلفات الأجنبية الا مع صديق العمر محمود بلعيد . ولكم قرأنا معا ونقدنا وانتقدنا كتاب السد لمحمود المسعدي في بداية الستينبات ’ ونحن في براكة على شاطئ سيدي بوسعيد ذات صيف رائع الطقس والمناخ . وكان يحادثني عن مطالعاته العربية والفرنسية ’ فنناقش معا ماقرأه هو وما قرأته أنا نقاشا معمقا في معظم الأحيان ’ ولا يهم ان اتفقنا أو لم نتفق بل الأهم هو أن أحدنا أفاد صاحبه واستفاد منه . ومحمود بلعيد قارئ ممتاز قد أتى بمطالعاته الجمّة على مئات القصص والروايات والدراسات الفكرية والنقد التي تثير تفكير القارئ وتستدعيه للتأمل وللتساؤل عن المزيد من المعرفة وتوضيحها وإضاءة مسالكها .

كنت أناقش بصدق من يقرأ قصة جديدة له مناقشة معمقة في أغلب الأحيان إذا كانت هذه القصة ذات قيمة وبعد فكري إبداعي متميز . وقد يطول النقاش الجمالي أو الموضوعي أو الشكلي أو اللغة بيني وبين صاحب القصة ’ وقد يشارك آخرون من أعضاء النادي في النقاش المحتدم ولكن مع الاحترام   المتبادل واحترام ما يكتبه الكاتب القصصي وأضرب أمثلة قصصية وروائية ’ باختصار سردية  كان جلّها من الأدب الأجنبي ولا سيما الفرنسي وبعضها من الأدب العربي الحديث الصادر في أقطار المشرق . وهذا ما تعودت به من النقاش وقرع الحجة بالحجة في دهليز ابن رشيق مع الصديق العزيز الدكتور عبد اللطيف عبيد للكلام على المؤلفات التونسية الصادر مؤخرا وتعرض في المكتبات وتعريفا بها ونقدها ومناقشة مؤلفيها إذا كانوا بين الحضور. ودهليز ابن رشيق كان أحد مواقع الطليعة للنقاش الفكري المركز كما هي الحال لموقع آخر وهو قاعة المكتبة في دار الثقافة ابن خلدون حيث ميلاد ناد ثقافي جديد اسمه نادي الخميس بادر بتأسيسه سمير العيادي وكاتب هذه السطور وآخرون من المثقفين والكتاب والفنانين والغاية منه إيجاد القواسم المشتركة جماليا بين الآداب والفنون . وهذا الموضوع عزيز عندي منذ زمان وزمان . وانضمّ لمجلس النادي بالإضافة إلى أهل الكتابة الإبداعية والبحثية  فنانون تشكيليون وموسيقيون من الأكابر . وذات مساء أدى لهذا المجلس زيارة محبة وتعجّب - من أهداف النادي الكبيرة بالنسبة إلى الأذكياء الموهوبين المبدعين الخلاقين على أن يحققوا هذا الحلم الإبداعي ’ هذا الأمل الفكري التونسي الذي يضرب في الآفاق المعرفية - أداها الدكتور محمد اليعلاوي والدكتور محمد رشاد الحمزاوي والأستاذ الطاهر قيقة وثلة من المثقفين الشبّان التقدميين وكان من بينهم الكاتب الموهوب أحمد حاذق العرف لا في نادي الخميس فقط بل أيضا وخاصة في دهليز ابن رشيق . وبعد قليل من تأسيس نادي الخميس كلّف الأستاذ عبد القادر القليبي مدير دار الثقافة ابن خلدون أخانا في الفكر سمير العيادي لإصدار مجلة باسم الدار وتسمّت يومئذ "ثقافة " وهكذا توفرت مجالات النشر لأعضاء الطليعة ولغيرهم وقد كان من بين الأعضاء النشيطين أحمد حاذق العرف فقد توفرت إمكانيات النشر بالإضافة إلى ما توفره مجلتا الفكر وقصص وكذلك الملحق الثقافي لجريدة العمل 

تعليقات