أزمة الفن أو الثقافة الآثمة أو سلعنة الإنسان !؟

أزمة الفن أو الثقافة الآثمة أو سلعنة الإنسان !؟
عندما كتبت على محرك البحث ڤوڤل "لماذا الفنانین ..." وجدتھ یرشح لي اختیارات من الأكثر بحثا
لماذا ھم مھمون؟ لماذا ھم حزاني؟ ولماذا ھم غریبو الأطوار؟
ھنا محاولة للإجابة
لماذا ھم مھمون؟ مشھورون؟ یحصلون على أجور كبیرة، أكبر من الأطباء والمھندسین وغیرھم؟
بعد آلاف السنین، ماذا بقى من الفراعنة والرومان والفرس؟
رسوم على الحیطان.. إبداعات معماریة.. قصص خیالیة وتاریخ.. في الحقیقة عرفناه وفككنا أسراره من 
ھذه الفنون
ما كان إسم وزیر الثقافة عند ما وقع إخراج مسرحیة"الماریشال"؟ الأغلب أنك لا تعرف أو لن تتذكر، 
لكنك أحببت ذلك العمل وظل راسخا في الذاكرة الشعبیة وھنا نلمس بصمة الفن الخالدة.
كیف أقنع ھتلر شعبه بفلسفته الشیطانیة؟ وجعلھم یرتكبون أبشع الجرائم؟ كیف استغل الفن لخلق 
البروباجاندا؟
بعیدا عن دیباجة الفن "مرآة الشعوب" وكلام الإنشاء، الفن ھو أقرب ما یفعلھ الإنسان للوصول للجمال، 
تعرفھم، لتجعلك تدرك إنه مھما كان اختلافكم.. فبینكم مساحة ما مشتركة. للتأمل، لإكتشاف نفسھ، للترفیھ وقت المعاناة، وأعظم أداة تواصل إنسانیة مع ھؤلاء الذین لم ولن 
یستطیع أن یسمو بالإنسان فوق واقعھ المادي والمأساوي. نعم الفن قد یتحول لبروباجاندا في ید حاكم، أو مخدر لإبعاد النظر عما ھو أھم، لكنه أیضا أكثر ما 
 من الفنانین، %5لماذا یأخذ الفنانون أجورا خیالیة؟ من یأخذ ھذه الأجور؟! بالمناسبة نسبة لا تتعدى 
یكافحون، ویموتون بدون ترك ارث أو تأمین حیاة لأولادھم، لن تتوقع كم فنانا تعرفھ %90وباقي الـ
وتعرف إسمھ وھو عندما یمرض لا یجد تأمینا صحیا إلا إذا وقعت لفتة إعلامیة أو باقة ورود من 
مسؤول یرید أن یخطف الأنظار على أنقاض من احترق من أجل إسعاد الكل بینما الكل لا یھمھ مأساته. 
ناھیك عمن سكنوا الصمت الذي أودعھم قبور النسیان.
أما من یأخذون الأموال الطائلة فھي أموال تعكس مدى احتیاج الناس لرؤیة ھذا الفنان وإبداعاته، لن 
إقتصادیة طبیعیة جدا. یعطیھ منتج ھذه الأرقام لو لم یكسب أمامھا، مادة خام علیھا طلب.. تخرج سلعة علیھا طلب، عملیة 
لماذا الفنانون حزاني؟
لأن الفنان مھما كان ناجحا، حیاتھ بھا وقت فراغ، والفراغ یؤدي للتفكیر والتحلیل المبالغ فیھ، لیس 
 أیام في الأسبوع، یجلس وحیدا كثیرا، یفكر ویحلل، یشك في نفسھ، وفي 6 إلى 5مشغولا یومیا من 
موھبته، یشك إن كان سیظل مطلوبا أو محبوبا من الناس، ولأنھ في الأغلب أجیر حر، لا یعلم إن كان 
سیطلب في عمل قادم أم لا، ومتى؟ لا یدري ھل ھناك مال قادم في الأفق أم لا، ولا یعلم قواعد ثابتة 
القطاع وسن قانون یحفظ كرامته. لیستمر على نجاحه، فالفن كلھ لا یوجد لھ قواعد محددة ألا یكفیه معاناة في ظل سلطة متجاھلة لھیكلة
مدیر الشركة قد یسھل قیاس نجاحه أو فشله في آخر السنة المالیة، الجراح كذلك قیاسھ بعدد العملیات 
التي نجحت وعدد التي فشلت، لكن الفنان قد یكون مثقفا ویفشل وقد یكون غبیا وینجح، قد یكون وسیما 
ولا یحبھ الناس، وقد یكون دمیما ویرى الناس أنفسھم في عیونھ، قد یبذل مجھودا كبیرا على مشروع ولا 
السرب لأنھ لم یكن ابن النظام الإستھلاكي و خنادق المنتجین. أحد یھتم، وقد یلطخ اللوحة البیضاء ببقعة سوداء وتظن الجماھیر أنھ عبقري زمانھ وقد یكون خارج 
كل ھذا یجعله یفكر، یشك، یخاف، ویتوه، ویفقد ثقته في نفسه وفي المستقبل، وبالتبعیة یجعله أحزن من 
غیره.
لماذا ھم غریبو الأطوار؟
لأن بسبب الثقافة الجماھیریة، الفنان نفسه "مُنتَج" أو سلعة، وصعب تفریق الفنان عما یصنعه، والفنان 
كما یبیع لوحاتھ أو أفلامھ أو أغانیھ أو تصامیمھ و كتاباتھ، ھو یبیع نفسه، ویخلق شخصیة یتمنى أن 
بإنسان لحما ودما وقلیلون القادرون على الفصل بین الإثنین. ینبھر بھا الناس، أو حتى یسبونھا، لكنھا لا تتوه في الزحام، لأن جموع البشر تحب ربط العمل الفني 
حیاته، لا یرید أن یشبه القطیع لأنه یظن أنه إن مشى معھم لن یجد جدیدا یقدمه لھم. الفنان دائما یبحث عن الإختلاف والتجدید وكسر النمطیة في أعماله وكعَرَض جانبي ینعكس ھذا علیه في 
الفنان بسبب وقت فراغه وتفكیره والفجوة السوداء التي یجد نفسھ داخلھا یبحث عن "Thrill"
قد یرى الناس من الفنان نجاحھ وأمواله وسیاراته، وآلاف اللایكات على صوره، وحب الناس لھ. أو حتى ریاضة أو تدینا أو علاجا نفسیا، یحتاج لمسكن ما.. قادر على تخفیض صوت مخاوفه بداخله. أو ھذه المشوقات أو الإلھاءات التي تخرجه من ھذه الحالة، قد تكون مخدرا أو خمرا أو جنسا أو طعاما 
لكن ما لا یراه الناس، اكتئابھ، إحساسه بالخوف، فقر مفاجئ بعد أن ظن أنھ غني للأبد، فقدانه ثقته
بنفسه، فشل علاقاته دوما بسبب كل ما تم ذكره، ضغط الحكم الجمعي الدائم علیه، وتوقعات الناس منه
حیرته بسبب حب الناس له بلا سبب ملموس یفھمه، ثم كرھھم له ولعنھم له أیضا بدون سبب یفھمه. 
ھناك فنانون سعداء وأغنیاء ومغرورون وقد تظن أنھم لا یستحقون ما معھم، وأنھ ظلم.
لكن الحقیقة في أغلبھا بعیدة عن ذلك، لیسوا سعداء كما تظن، والعدل قد نجده في حیاة أخرى.
وھناك أیضا جیلا یولد میت بین ساحة تعج بمن احتكروا المنابر و الظھور و بین من یمتصون طاقته و 
یسطون على حلمه.
في المجمل سلعنة الفنان و أزمة الأجیال و غیاب الھیاكل و الأطر لحمایة الفن قد تضعنا في انجراف 
الأجیال و تفقیر الساحة الثقافیة وھذا ما یزید من أوجاعھم إزاء أن رھان الأنظمة لم یكن على الثقافة 
كأولویة تبقى في خانة الفلكلور و الاستنساخ بطریقة بشعة في زمن غیر ثابت یلزمنا بالتطویر ومواكبة 
 المشاعرُ المكتومة لا تموت أبدًا، إنھا مدفونة وھي على قید الحیاة وستظھر لاحقا بطرق بَشِعة. العصر.. ختاما استحضر مقولة تجوب فمر كل من یتجرع مرارة المعاناة الإبداعیة
سیغموند فروید
 محمد نبیل الزایدي

تعليقات