الساعاتي 2


عزالدين المدني


كل ذلك صلح لي في الكتابة الإبداعية ’ واستفدت منه كثيرا . وقد قرأت في بعض الكتب الفرنسية منذ زمان أن المفكر جان جاك روسو كان ساعتيا ممتازا بارعا في تسيير الساعات ومعالجتها وإصلاحها إلى أخر حياته. وهو عمل حر لا يخضع لأية سلطة . ولكن حين أردت أن أعرف تاريخ تونس على عهد البايات الحسينيين لاحظت أن أحد البايات كان مولعا بمعالجة الساعات التاريخية الفاخرة ولكن كان بليد الفكر على صعيد السياسة والحكم.

وأدركت أن معالجة الساعات المعطلة لا تذكي الإنسان بل الذكاء ينبع من مصدر اخر باختصار ’ كنت متقدما فوق ما تقتضيه سني ’ وهو ما جر علي الويلات في أثناء تلمذتي بالصادقية الابتدائية ثم زادت الويلات فظاعة وشناعة في أثناء تلمذتي بمعهد كارنو ( معهد بورقيبة) .

كنت كلفا مولعا باللغتين العربية والفرنسية طوال سنوات تلمذتي. وكان لا يحلو لي الحديث مع ثلة من الطلبة الزيتونيين المقيمين بزاوية سيدي البشير الا على اللغة العربية في الشعر والنشر وسأحكي ذلك كله مفصلا في فرصة قادمة .

كان معلمي الفرنسي موسيو مرتان مثل الزبدة ليونة وطراوة وحنان وعواطف ومحبة يغدقها على تلاميذه الأطفال في ساعات الدرس وخارجها. وكانت عينه الزرقاء الصافية الزرقة تلمع تحت جفنه طيبة وذكاء وفطنة’ وهي تفحص تمارين تصريف الأفعال البسيطة (وهي من المجموعة الأولى في علم النحو الفرنسي) . فمن كان لا يحسن أو بالأحرى يخطئ منا في تصريف الفعل في الماضي فانه كان يصعج مرتان على المصطبة خفيفا كأنه يقوم تحركه شبه رياضية ’ ويصوب الخطأ ويخط الصحيح بالطباشير على السبورة ’ ويعيد الدرس لكامل تلاميذ القسم . ورغم خفته فقد كان في ملامح رقبته ووجهه ويديه تغصن وانكماشات تدل على أنه مسن’ ولكن مازالت من شعره المبيض نتف شقراء ذهبية تتألق تحت بيريه الزرقاء اللون داكنة الزرقة . والابتسامة لا تغادره ’ والجواب على أسئلتنا دائما حاضر فوري  يشرح لنا أعتقد الأفعال من المجموعة الثالثة ’ولا يمل من الشرح واعادة الشرح والتبيان والتوضيح .

 

 


تعليقات