العقلية التونسية فقهية ومحافظة ورجعية


عزالدين المدني


اني أعلم علم اليقين وخلاصة تجربة في الحياة أن أهل الإبداع الأدبي هم الذين يرفعون شأن الأدب وقيمته وهم الذين يرخصونه’ كما يرخص البائع السلعة التي أصابها الكساد . ويغلط من يرى أن الدولة هي التي ترفع من شأنه ’ وهي التي تخفّض من قيمة الإبداع والمبدعين والكتابة والكتّاب والأدب والفكر ’ وهي التي تهمل ولا تبالي بكلّ ماهو خلق واستنباط وابتكار واختراع ’ باختصار بكل ما يتصل بما يسمى الإضافة الثقافية والحضارية .

لقد عشت أواخر السنوات الخمسين من القرن العشرين وهو ما يصادف اجمالا السنوات الأولى لعهد الاستقلال .

لطالما كنت وقتذ أتساءل وأسأل بعض المتأدبين الشبّان / أين حرية اللغة وأين حرية استعمالها والتعبير بها واثراها ؟ وأين تونس فيما كنا نكتب نحن التونسيين وأين مجتمعها واشكالياتها وقضاياها الابداعية ؟ أين ؟ وأين ماضيها وأين مستقبلها ؟ بل أين حرية التعبير ولا يعني التعبير بالضرورة القدح والشتم وتجريح السياسة وأعراض الناس؟ وأصل أحيانا الى السؤال / أين حرية المعتقد ؟ وقد بقيت هذه الأسئلة زمنا في قلبي وفي نفسي وفي روحي حتى كتبتها في مسرحياتي "ثورة صاحب الحمار " و"ديوان ثورة الزنج" و"رحلة الحلاج".

كنت شاهدا على
 تدهور الأدب والفكر عامة وانحطاطهما . وشاهدت الشبان المتأدبين يجرون اما خلف الأدب المشرقي واما خلف الأدب الأوروبي ولا سيما الفرنسي جريا لاهثا لتقليدهما ومحاكتهما ونسخهما أدلة بعضهم تقول / نحن عرب ولا فرق بيننا وبين المشارقة ويدعي بعضهم أننا عصريون مثل الكتاب والشعراء الأجانب العصريين . وواضح أن هذه الادعاءات والتقولات انما هي الضعف الذي كان فيهم يتكلم زد على ذلك ان العقلية التونسية المهيمنة منذ سنوات طويلة كانت فقهية  ومحافظة ورجعية بمعنى الرجوع الى الأصول ولا مخرج لها من الفقه اليابس المتحجر ’ وظلّت تابعة للآخر وأحيانا كان الاستياء يسلب سروري وفرحي لا أنساه الا عند الخوض مع الشاعر منور صمادح الذي كان بلسم الروح لما ينشد قصائده أمام الجماهير أيام العطل المدرسية خارج العاصمة وداخلها . كان تلقائيا ’ مبادرا ’ جريئا شجاعا لا يخشى خطرا ولا أحدا من منتقديه الذين يشتموه / يافطايري ولا أحدا من البوليس ولا من المشائخ ولا من مفكري الرداءة والاذعان والخضوع والطاعة والاستسلام للمقادير .لكن هذه الشمعة الضخمة لا يمكن أن تظلّ  تضيء وحدها رغم أنها محاطة بشموع صغيرة أخرى فلا بدّ من شمس وهاجة فلا ننتظر حتى تشرق وانما يجب أن نخلقها

تعليقات