اقل شبه إبداع يظهر للناس حدثا في الخمسينات


عزالدين المدني

يعلم الكاتب بالممارسة والتجربة أن اللغة كالأدغال ’ ذات الأشجار والنبات الملتفة ’ تعترض

المسافر صعوبات لإيجاد الثنايا والسبل فيها ولا بد له من سلوكها والتقدم بينها. كذا الكاتب المبدع يرسم طريقه . وهو يعرف أن اللغة تتضمن عناصر قوة وأخرى هزيلة ’ وعوامل غموض وإشكال إلى جانب الوضوح والشموس ’ وأحوال من النطق والتلفظ وأخرى من الهذيان والتخريف وركوب المتداول والاجترار أو الخرس والصمت ...والكاتب يعرف ضروبا من الكلمات عند ترويضها وتدجينها ’ ففيها المتروك العانس ’ والهجين الممسوخ ’ والمنافق المتقلب مع رياح المعاني من الأضداد ’ والعدواني كالسبع الضاري آكل لحوم الأقرباء ’ والجيران ’ والنظراء  من المرافقين والأصحاب ’ المتوج بتيجان الأغلبية والإجماع والقداسة ’ والقلق في مكانه ووضعه وسياقه ’ والشاذ الكثير الجم الغفير المتغلب على السالم المسالم...

لقد بعت نفسي وفكري للإبداع منذ سنوات وسنوات أي منذ أن صممت أن أكون كاتبا طوال حياتي ’ ونفسي لا تطمئن إلا بعد نزع الإبداع عن فكري . ولكن سرعان ما يغشى فكري ونفسي إبداع آخر وآخر وآخر بلا هوادة .

إني انتقل من جنس إلى جنس بكل يسر ’ أتجول بين هذا وذاك ’ وبين الجمع بينهما ’ بل اجمع بين الأدب وتنظير الأدب والفن (والفنون) ’ بين التنظير والنقد . لست بسجين لشيء

لقد عشت بوعي كامل بأن الخمسينات (من القرن العشرين ) كانت في النصف الثاني منها لأعلى جانب وافر يفتقد الإبداع .ذلك أن اقل شبه إبداع يظهر للناس يومئذ حدثا ذا بال فصار الإبداع نادرا جدا كالكبريت الأحمر كما قال الشيخ الأكبر.



تعليقات