سفر حبر وبياض

سفر حبر وبياض


بقلم/ محمد المي

عنوان رواية ألفتها جليلة عمامي وصدرت سنة 2014 عن دار سحر للنشر تمتد على ما ينيف عن المائة والتسعين صفحة من القطع المتوسط

رواية / سيرة ذاتية كتبتها جليلة عمامي لتوثق لمرحلة عمرية توقفت عندها لتكون بمثابة وقفة التأمل لاستدعاء الماضي وتأمل الواقع

يعرّف فيليب لوجون السيرة الذاتية بأنها " قصة استعادية نثرية يروي فيها شخص حقيقي قصة وجوده الخاص مركزا حديثه على حياته الفردية وعلى تكوين شخصيته بالخصوص"

نلمس هذا في عدة مواطن من رواية جليلة عمامي ففي فاتحة الصفحة الأولى من الرواية السيرة الذاتية نقرأ قولها " من فوضى الأحراش ومسالك الأرياف أتيت لا لأكون الكاتبة ولكن لأمارس بعثرة الذاكرة وعناد الكلمات التي ظلت تغريني وشكلت منذ البدايات أحد هواجسي وقلقي وامتداد الأسئلة في مخيلتي..حتى أنني ومنذ طفولتي كانت عادتي السرية ممارسة هذا الفعل وتدوين الكلمات "

هاته الفاتحة النصية بمثابة مانيفيست الرواية /البيان التأسيسي لمفهوم الكتابة عندها . الكتابة ضد الكبت والكتابة ضد البكت

الكبت  السياسي والاجتماعي والثقافي والجنسي

والبكت أي الصمت ازاء الواقع بكل ملابساته وتفصيله والصمت كما يعرفه مطاع صفدي هو لغة دون الكلام.

رواية سفر حبر وبياض لجليلة عمامي يستوقفنا فيها أول ما يستوقفنا عنوانها الذي يعد عتبة نصية لا مناص لنا من التوقف عنده لمحاولة الولوج لفك مغالق هاته الرواية إذ العنوان / يحدد

ويوحي

ويفتح شهية القراءة كما يقول رولان بارط

فمكونات العنوان ثلاث كلمات / سفر أي كتاب وحبر وبياض بين الحبر والبياض تنافر وتضاد فالبياض علامة الفراغ وأمارة الانتهاء في حين أن الحبر علامة الامتلاء وأمارة الابتداء فهذا السفر /الكتاب يتراوح بين ثنائية تجسد صراعا بين الوجود والعدم بين إرادة الوجود ورغبة المحو بين أن تكون أو لا تكون

فالعنوان أعطانا صورة أولية عن عوالم النص المجهول

فتاة قادمة من ريف تحكمه عقلية زراعية وتثقله قوانين اجتماعية قررت والعبارة لها اقتراف " فضيحة الحبر على البياض "   فالكتابة إعلان عن الوجود وفضح للمخفي والمسكوت عنه

تقول جليلة عمامي " لم أكتب واستسلمت لرغبة الممنوع فيما هو افتراض الكتابة ولقانون الولادة الريفية الذي لم أسطره ولم أقبله يوما ولم أخضع له إلا في تجاوز قدرات العناد عندي" (ص7)  

ثم تضيف في موضع آخر

" لا لأكون الكاتبة أو الرواية فهو مطلب لا إلحاح فيه ولا يغريني كثيرا ’ بل كل مايغريني أن أنتصر على البياض وأنتصر عليهم...أريد فقط أن أكتب "

الكتابة حينها ليست تسلية أو تمضية لأوقات الفراغ أو الهاء بل هي فعل وجود وتحقيق للذات وانتصار في معركة إثبات كيفية الوجود ’ تكتب جليلة عمامي سيترتها برؤية من يشرف على الشيء من عل وكأنها تمرر ماضي أيامها أمامها للتفرج فيها مثلما يتفرج الغريب على جحفل من الليالي والأيامي وسلسلة من الأتعاب يمر ماضيها متهما بالانتماء اليها فتحاكمه بالكلمات لتنهي حكمها عليه بالتسجيل والتدوين حبرا على بياض .

"سفر حبروبياض "   رواية التفاصيل ورسم الذات المرهقة لحياة لم تعشها جليلة عمامي بالطول بل عاشتها فقط بالعرض شاهدة على آلام وأوجاع لا تختلف عن أوجاع وآلام شباب هذا الوطن الذي أفاق على أوجاع التهميش والنسيان والإحساس بالضياع وانكسار الأمل وكأن الموت الذي اختطفها كان اختيارا أو تضحية خصوصا إذا توقفنا عند قولها

" لست عظيمة ولا أدعي ذلك ولن يكون قلت/ ولكن أعلم ايضا أنه كثيرا ما أهدى الأموات العظماء موتهم لولادة ما.."

فهل أهدتنا جليلة موتها ؟ وما الذي تنتظره منا بعد أن قررت أن تكون قربانا ؟ ذلك هو السؤال الذي أختم به لأدعوكم إلى تصفح منجزها الروائي عساكم تعثروا على ما لم أعثر  رواية تغري بالقراءة                                                                  

تعليقات