كتاب الهاوية 2

 

بقلم محمد المي

 

نواصل الحديث عن كتاب الهاوية الذي أصدره الدكتور علي الشبعان عن دار زينب للنشر ضمن مشروع فكري / بحثي حول الحجاج  وأعتقد أن هذا البحث الذي خص فيه النظر في متون تفسير القرآن الكريم وتأويله من خلال مدونات التفسير للطبري والزمخشري وابن عربي  تتجاوز النظر اللغوي البلاغي - على أهميته - لتطال قضية أخطر تتصل بالنص القرآني أصلا .

هذا بحث خطير (هام) في الثقافة العربية الإسلامية يسبر العقل العربي الدغمائي الذي تربى على قناعات ترسخت لديه دون أخذ مسافة نقدية منها حتى أصبح يظن أن مااستقر عليه فكره هو الحقيقة . تماما كالحقيقة التي تربى عليها الملك أوديب ليكتشف بعد فوات الأوان أنه عاش وهم الحقيقة ولم يعش إلا حقيقة الإفاقة على وجع قاتل .

كذلك فعل بنا الدكتور علي الشبعان الذي نبهنا إلى كتب التفسير التي فهمنا من خلالها النص القرآني أننا في الحقيقة لم نفهم إلا ماوصل إلينا من خلال تفاسير حكمتها دوافع ايديولوجية ومنطلقات سياسية وأن التأويل كان في خدمة جهات معينة ووجه نظر المتلقي إلى النظر إلى زاوية ليشغله عن زوايا أخرى .

لم يقف الدكتور الشبعان عند هذه الحدود بل أبان عن قصور الخطاب الحجاجي في حد ذاته لأن مرجعيته استندت إلى ايديولوجية معينة نجده مثلا يقول في الصفحة 196 عن الطبري ما يلي /

" غدا الخطاب كله جريا وراء إثبات حقائق النص المعتبرة جوازم حاسمة ونهايات قاطعة لا يرتد عليها ولا يشك فيها لذلك دار الحجاج من حيث وظيفته على التقويم ومن حيث عمقه الانطولوجي على قول صوت الله إثباتا وتعميقا فبدل أن يكون خطاب الطبري التفسيري تكثيرا لمعنى النص صار ترديدا لحاصل ظاهر لا يتجاوز ولا ينتهك وبدل أن يولد نظام التجادل الاختلاف ولد الائتلاف والتوحد المؤجل..."

هنا نلمس قدرة الباحث الدكتور علي الشبعان على تقصي الخطاب الحجاجي والقدرة على التقاط مواطن الوهن فيه لأن هذا النوع من النظر يلزم صاحبه نزع القداسة على النص الذي يحلله وعدم الوقوع في أسره والانخداع ببريقه الخلاب

لقد عمل الدكتور علي الشبعان في المدونة التي أجرى فيها قلمه ما يفعله الجراح الطبيب بمشرطه وهو يشرح جسدا آدميا ليعرف موطن العلة ويستأصلها حتى يبرأ المعتل .

ان ثقافتنا العليلة التي بنيت على الدغمائية والمسلمات والانجرار وراء سلطان اللغة وبريقها قد عاشت على أوهام كثيرة آلت بها إلى ما نحن فيه من وهن لذلك فان مثل هذه البحوث التي تسلط الضوء على التراث الفكري واللغوي أساسا هي التي ستخلصنا من مرض عضال طال أمده للأسف الشديد.

لنا عودة 

تعليقات