صالح الدريدي

بقلم : محمد المي

انسحب سي صالح من حياة أناس اشتد حر صيفهم تاركا الجمل بما حمل .
عاش حياة طويلة عريضة وصنع لم تعقه العصامية ولا الفقر ليصنع واقعا مختلفا ويفرض لنفسه مكانة اجتماعية مرموقة جعلته رقما مهما وشخصية اعتبارية . يقرأ له وجهاء البلاد حسابا .
بدأ مسيرته مع محجوب بن علي في سلك الحرس الوطني ومنه تعلم الصرامة والانضباط وفهم معنى الدولة. 
مكنه قربه من محجوب بن علي التعرف على الزعيم بورقيبة عن قرب حيث كان هذا الأخير يلتقي بوسيلة قبل زواجه منها في عين غلال . مكنته تلك الفرصة من الاقتراب من الزعيم فتعلق بشخصه وانبهر بمواقغه الشيء الذي جعله دستوريا حرا منافحا عن حزب الاستقلال متشبعا بالبورفيبية منهجا وتوجها وقد توج هذا بطبع كتاب المسيرة الكبرى الذي لفت إليه الانتباه فليس متاحا لأي كان كتابة تاريخ بورقيبة ! وأذكر أن سي صالح حدثني عما لاقاه جراء نجاح الكتاب ورواجه . اذ اصبح مستهدفا مما جعله يتظاهر بالبوهيمية وساح في أرض الله كالمعتذر عن خطيئة ارتكبها .
لعبت الصدف دورها مرة أخرى في حياة سي صالح ليصبح صاحب مطعم سياحي في أجمل منطقة في بنزرت وكم كان يردد شاكرا فضل الاجنبي الذي باعه أو وهبه مطعم الخيام الذي يقع في أعلى نقطة من القارة الأفريقية .
عزز حضوره المالي بذراع اعلامي حين أسس جريدة جهوية فأصبح مقصد كل الناس وقبلتهم وكبرت سطوته فصار يخشى جانبه ويقرأ له كل حساب . دخل في صراع مع لوبيات الجهة فكادوا له وافتكوا منه جريدته كمحاولة لتحجيم دوره وتقزيم حضوره فخسر الجولة وانتهى رابحا للمعركة .
كان يردد هازئا : القنال ملك لصالح الدريدي وصالح الدريدي تابع للحزب .
وهو بهذا يرد على كل من يقول ان القنال جريدة تابعة للحزب الحاكم  . 
لن تكن القنال منتظمة الصدور بل كانت تصدر حسب مشيئة ورغبة سي صالح فيختار اوقات صدورها كمن يمسك بورقة يفاوض بها . ربحه منها كان رمزيا ولم يكن ماليا . كل وال أو كاتب عام الجنة التنسيق الحزبي أو رئيس للبلدية يخشى القنال لذلك يسعى إلى شراء ود سي صالح واستمالته .
كما كان مطعمه الذي يقع في اقصى شمال بنزرت مستودع اسرار المسؤولين ومقر اجتماعهم وفيه تعقد الجلسات الليلية وفيه تكشف الاسرار ومنه تخرج المعلومات ومن يمتلك المعلومة يمتلك السلطة بالضرورة . 
عرف سي صالح كيف يتحول الى رقم صعب في جهة قليلا ماتعترف لغير بلديتها بالفضل . ولا يكون فيها صاحب وجاهة وعينا الا من كان بنزرتيا خالصا .ورغم ذلك فرض صالح الدريدي اسمه وحضوره .
كانت لي معه عدة لقاءات في بنزرت وتونس العاصمة اذ كان يقيم اياما في نزل الهناء الدولي أثناء اعداده لجريدة القنال وكنت الازمه في تلك الاوقات واصاحبه الى مطبعة دار الانوار بالشرقية فحدثني وباح لي بعديد الحكايات وروى لي تاريخ الأشخاص وحدثني عن المصاعب والعراقيل التي واجهها .
فاجأني لما اقدم على اعادة تهيئة مطعم الخيام والتخلي عن شكله القديم فكان يضحك ويقول لي : لقد تغير الزمن ومن لم يواكب التغيير يفوته القطار .
استدان من البنوك ليحدث التغيبر المناسب وفكر في طريقة خلاص القرض ببيع بيوت سياحية حتى يحمي مشروعه الاستثماري . طريقته في التفكير تدل على ألمعيته وقدرته على التطور وفهم متطلبات المرحلة 
عاش كالبحار الذي يقود زورقا في محيط متلاطم الامواج وعرف كيف يصل الى المرسى سالما وان طال زورقه بعض الرضوض والكسور .
أسلم روحه لخالقه بعد مسيرة كبرى تاركا ارشيف القنال لمن يريد ان يقرا صفحات منسية من تاريخ قلعة الجلاء وارض النضال
رحم الله سي صالح رحمة واسعة والهمنا الصبر والسلوان في فقده 

تعليقات