(( ثورةُ الحسين مدرسةُ قِيَمٍ ومَبادِئ ))

(( ثورةُ الحسين
مدرسةُ قِيَمٍ ومَبادِئ ))

عبدالسادة البصري

نهضَ الإمام الحسين (ع) عام 61 هجرية ليقف بوجه عتاة الطغيان والفساد آنذاك ، وسطّر أروع ملاحم الإباء والفداء من أجل قضيته. فصار مناراً وقبساً إنسانيا يهتدي به الأحرار والثوّار في كل مكان.
التاريخ لم يذكر لنا ثورةً قامت بعد ثورةِ العبيد التي قادها سبارتاكوس ضد الطغيان والاستبداد الروماني وكيف أخمدت ببشاعة ،حتى ظلّ الناس متهيبين وخائفين أن يقفوا بوجه حاكم فاسد وظالم بعدها. لكن ما أن نهض الحسين (ع) وقدّم من قيمٍ و دروسٍ في الثورة والإنسانية واحترام الذات البشرية بصرخته المدوية ( مَنْ لَحِقَ بنا استشهد ، ومَنْ تَخَلًّفَ لم يشهد الفتح) حتى صار عنوان حركةٍ عميقةِ الغور في النفس البشرية التي تأبى الضيم ولن تسكت عليه.
كلُّ موقفٍ في ثورة الحسين درسٌ كبيرٌ نَهَلَ وينهلُ منه مَن وَقَفَ ويقفُ بوجهِ الفساد وأهله ليعرّيهم أمام الناس ، لأن الحسين لم يطلب كرسياً كي يحكمَ ويملأَ جيوبه بالمال على حساب كرامة وإنسانية الآخرين ، بل خرج مُصلحاً ومُدافعاً ومُطالباً بحقوقِ الناس (ما خرجتُ أشراً ولا بطرا، إنمّا لطلبِ الإصلاحِ في أمّةِ جدّي). وبعد أن استشرى الفسادُ في مفاصل البلاد آنذاك فتربّع على عرشها مَنْ تجبَّر وأشاعَ الفسادَ صاحَ صيحتَهُ العظيمةَ (ما أرى العيشَ مع الظالمين إلاّ بَرَما).
وهذا دليلٌ على إنّهُ ثارَ لإرجاع الحق الى نصابه بعد أن صار البعض عبيداً للدينار وضاعت الحقوق والواجبات وانعدمت الخدمات ، لهذا نقرأُ أنّ الذين خرجوا معه قلّة فقط (لا تستوحشوا طريقَ الحقّ لقلّة سالكيه)، وهؤلاء هم البذرة التي زرعها الحسين في كربلاء دماً لتُنبتَ وتُزهرَ قِيَماً ومبادئ أسست لثورات وانتفاضات قادمة.
نهضَ معهُ الشيخُ والشابُّ والصبيُّ والطفلُ والمرأةُ ، الأسودُ والأبيضُ، شيخُ العشيرةِ والخادمُ ، المسلمُ وغيرُه ، قدّموا أرواحهم فداءً للثورة العظيمة تلك ، ليقولوا للناس إنّ السكوتَ على الظلمِ والفسادِ إهانةٌ للنفس وإذلالٌ للروح.
ان كل موقفٍ منها درسٌ عميقٌ جداً علينا أن نعيه جيداً، فهي ليست ثورة فحسب ، بل مدرسة للثبات على المبادئ التي جاءوا من أجلها ،لنسمعَ جون مولى أبي ذر يقول ( أنا في الرخاء ألحسُ قصاعكم وفي الشدّةِ أخذلُكم؟ لا والله لن أفارقَكم أبدا ) إنها تعبير عن مبدئية الإنسان الحقيقي. كذلك صيحة مسلم بن عقيل ( آليتُ أن لا أقتلَ إلاّ حرا ) ، لتظلَّ هذه القيمُ والدروسُ مثالاً يحتذي به الأحرار والثوار الذين انتفضوا بعد ذلك فتزعزعت عروش وطاحت كراسي.
عبد الله بن الزبير حين فشلت ثورته وحوصر وطلبوا منه الاستسلام أو القتل قال: (لم يترك الحسين بن علي لابن حرّة عذرا)، وغيره الكثيرون من كل بقاع الأرض اقتدوا ببعض دروس هذه الثورة فصاروا رموزاً لشعوبهم.
إنها ثورة قيم ومبادئ لكل الناس وعلينا أن نتمثّلَ كلَّ دروسِها وقِيَمِها لنقفَ بوجهِ الفاسدين والانتهازيين والمستغلين الذين عاثوا في الأرض فساداً، إذا أردنا أن نكون حسينيين حقاً.

تعليقات