أدب الاستنساخ

(( أدب الاستنساخ ....!!))

عبدالسادة البصري / العراق

حينما يبدأ القلم خطواته الأولى في تسطّير حروفه على الورقة يفكّر الكاتب بكيفية إيصالها  إلى القارئ  ،، لهذا تجده يبحث عن منفذٍ ليخرجها إلى النور بأيّة وسيلةٍ كانت ،، هذا ما عمل عليه الأدباء العراقيون تحديداً منذ أواخر الثمانينات وبعدما صار النشر مقتصراً على الدعايةِ والتعبئةِ ولا يُطبعُ نتاجٌ آخرٌ غيره ، وحين اشتدّ الحصار  على الشعب وبات الناس يفتشون عمّا يبعد غائلة الجوع ، أخذ الأدباء وبالأخص الشباب في تلك الفترة بالتقصّي عن طريقةٍ لنشر نتاجاتهم ، حيث ابتكر البعض طريقة الاستنساخ ، إذ تكدّست الأوراق المليئة بأحلامهم الغضّة وما عاد الصمتُ يُجدي نفعاً ، فظهرت للعيانِ مجموعاتٌ شعريةٌ وقصصيةٌ قام أصحابها بطبعها على الآلة الكاتبة ثم استنساخها بأعداد محدودة  ،، ففي تسعينات القرن المنصرم أخذ البعض منّا نحن الثمانينيين والتسعينيين بإخراج ما خطّته يراعاتنا إلى النور بهذه الطريقة ، عملنا على جمع ما كتبناه في كرّاسٍ صغيرٍ ثم استنساخ أعدادٍ منه لنوزّعها هنا وهناك ،، وللأمانة أذكر وقتها  أن السيدة الراحلة ( حكمّية جرّار ) وبمعية الأدباء ( منذر عبدالحر ،فاضل جواد ، الراحل رياض إبراهيم ) قد ساعدت البعض بنشر ما استطاعت دارها ــ قصيرة العمر ــ الأمد من نشره ، حيث أصدرت عدداً من المجموعات الشعرية والقصصية إلاّ إنها لم تروِ ظمأ الكلّ بنشر ما يريدون ، فابتكرنا طريقة الاستنساخ هذه لتصدرَ مجموعاتٌ شعريةٌ وقصصيةٌ مشتركة مرةً ومستقلة أخرى مطبوعة على ورقٍ رديءٍ أو مستعمل ، وصلت هذه النتاجات إلى أغلب المدن العراقية وبعضها عبر الحدود ليصل إلى المغرب ومصر وفلسطين والأردن وغيرها حيث لاقت استحساناً كبيراً وكُتِبَ عنها في الصحف والمجلات الأدبية ، كما أُعدّت ملفات عن الإبداع العراقي أُخذت موضاعتها من هذه الإصدارات !!  
هذه الظاهرة في حدّ ذاتها يجب الوقوف عندها والغوص بين طيّات وريقاتها لدراسة ما جاء فيها  ، وكانت أغلبها لشعراء قصيدة النثر الذين اعتمدوها في إصداراتهم الأولى لقصر ذات اليد فطبعوا بصمتهم  ورفعوا أكفّهم احتجاجا على الحصار ثانيا وما يفعله النظام الشمولي أولاً بطريقتهم الخاصة ،، تلك الإصدارات أشرّت تمرّد أبناء الجيلين على ما يحدث في ذلك الوقت ، وإصرارهم على نشر إبداعهم رغم كل شيء ليراه العالم !! نقّادنا وباحثونا لم يتوقفوا عند هذه الظاهرة وراحوا يدرسون ما صدر قبلها وبعدها من نتاجات قد لا ترقى  إلى ما وصلت إليه من إبداعٍ رغم قصر عمرها ورداءة طباعتها وسوء توزيعها في أغلب الأحيان ،، فلم نجد دراسةً وافية تؤشر لما جاء فيها، لهذا علينا أن نعود قليلاً ونقلّبَ ما في مكتباتنا من كرّاسات ومجلات نشرت بهذه الطريقة لنعيد قراءتها ونفكك ما جاء فيها كي لا نغمط حقّ مَن عصروا زهرة أعمارهم واحرقوها في السهر والكدّ لتخرج إلى النور !!
أدب الاستنساخ ظاهرة تؤشر حيوية الأديب العراقي وإصراره على الارتقاء بإبداعه في وجه كل الأعاصير والحجب التي أرادت أن تسدّ الأبواب في وجهه ، ما علينا إلاّ أن نقرأها بقلوب متفتحة وضمائر نقدية حقيقية لا تمتثل للاخوانيات والمصالح الذاتية الضيقة كي تعرف الأجيال اللاحقة وتحديدا الشباب الذين جاءوا بعد 2003 كيف عانى سابقوهم من المبدعين حينما كانوا شباباً ، وكيف كان إصرارهم على البقاء وإيصال إبداعاتهم للقرّاء مهما كلّف الأمر ،،لأنها لم تأخذ حقّها في البحث والدراسة بشكل وافٍ !!.

تعليقات