مأزق هيكلة القطاع السينمائي

مأزق هيكلة القطاع السينمائي و السمعي البصري  في تونس  :
راضي التريمش

يتسابق بعض أهل المهنة من السينمائيين للقاء السيد وزير الثقافة الجديد وتطالعنا صفحة الوزارة عقب كلّ لقاء بنصوص إنشائية عن تلك اللقاءات وعن ضرورة النهوض بالقطاع واعتماد مقاربة محورها الاهتمام بالطّفل.
وقد كان من تقاليد المهنة والوزارة عقد لقاءات منتظمة تجمع الوزير بالهياكل المنتخبة والممثلة للمهنيين بناء على جدول أعمال مضبوط.
لكن هذه الزيارات الفرديّة لا نعلم ما يدور فيها وعلى ايّ أساس يتمّ قبول فلان وليس علاّنا. وهو ما يدعو أحيانا للرّيبة خصوصا عندما نعلم ان جلّ هؤلاء لهم مصالح مع الوزارة ويحقّ لهم الحصول على دعم أو الفوز بمشروع.
وقد كانت المنظّمات المهنّية تنسّق فيما بينها وتقوم بعمل مشترك تجلّى في مناسبات عديدة مثل قرار مقاطعة ايام قرطاج السينمائية سنة 1978 ما لم تستجب الوزارة لمطالب مهنية مشروعة. وقد أثمر ذلك التضامن واستجابت الوزارة لتلك المطالب.
إنّ من استقبلهم الوزير لحدّ الآن ليس في جعبتهم ما يقدمّون. وأمراض السينما التونسية معروفة ودواؤها معروف فقد حدث التشخيص سنة 2009 من خلال  الاستشارة التي أذن بها وتابعها متابعة لصيقة السيد رؤوف الباسطي وزير الثقافة آنذاك. وقد تُوّجت تلك الاستشارة بدراسة أحاطت بكلّ جوانب القطاع واقترحت حلولا عمليّة وواقعيّة لكلّ مكوّنات القطاع.
وقد تداول على الوزارة منذ الثّورة تسعة وزراء لم يرَ أحد منهم ضرورة لاعتماد تلك الاستشارة بل إن أحد الوزراء تركها جانبا وكلّف مجموعة من جهابذة القطاع من بينهم منير بعزيز والحبيب بالهادي لإعداد دراسة جديدة فأعادوا إنتاج نفس الدراسة مع تغييرات طفيفة على سبيل "تتليف الجُرّة" حتى يتسنّى للوزير تمكينهم من أتعاب سخيّة لكسب صمتهما بعد أن قادا حملة ضدّه غداة تسميته وزيرا على أساس أنّه ممّن لمّعوا بل أمعنوا في تلميع نظام السابع من نوفمبر.ولتجنّب الإشارة للوزير فإنه ذلك الذي نهض بالعروض الثقافية بين 2016 و2020 من 90 الف إلى 450 ألف بالتمام والكمال. 
والواقع أن إحدى "مُخرَجات" استشارة 2009 قد رأت النّور إذ تمّ بعث المركز الوطني للسينما بمرسوم سنة 2011. لكنّ الوليد الجديد جاء كسيحا ومصابا بالشّلل ذلك أنّ المشرّع قد منحه صلاحيات واسعة في الفصول الأولى من المرسوم ثمّ جاء فسحب منه كلّ الصلاحيات عندما نصّ الأمر على أنّ كلّ النصوص المنظمة للقطاع السينمائي تظلّ سارية المفعول إلى حين استبدالها بنصوص جديدة. ومنذ ذلك الحين لم يتوفّق المركز إلى إصدار أيّ نصّ بسبب التجاذبات بين مختلف الفاعلين في المهنة وبسبب عدم حماس بل استقالة بعض الوزارات التي لا يمكن ان يمرّ أيّ نصّ بدون موافقتها مثل وزارة المالية في حالة تنقيح الأمر عدد 717 المتعلق بالمساعدة على الانتاج السينمائي. وكم كان يسيرا وسهلا ان يصبح المركز الوطني للسينما والصورة فعّالا وذا صلاحيات تخوّل له الإمساك بزمام كلّ كبيرة وصغيرة لو أن المشرّع ذكر، في الفصل قبل الأخير من المرسوم، انّ عبارة "المركز الوطني للسينما والصورة" تعوّض وتحلّ محلّ كلّ هيكل إداري أنيط بعهدته تسيير السينما أو الاشراف عليها ورد ذكره في النصوص ذات العلاقة بأيّ فرع من فروع النشاط السينمائي والصادرة قبل هذا المرسوم.
ذلك هو المأزق الرئيسي الذي لا يمكن تجاوزه والذي جعل المركز مكبّلا وجعل تسيير الشأن السينمائي  موزّعا بين هيكلين بعد مرور تسع سنوات على بعث المركز الذي إنّما بُعث رحمة للسينمائيين لكنهم لم يجنوا من بعثة شيئا سوى تسهيل المعاملات المالية واختصار آجالها.
ينبغي على الوزير إدراك هذا المأزق للبحث عن حلول بعيدا عن طاحونة الشيء المعتاد والمقترحات التي تولد ميّتة أو لا تصبّ إلا في المصلحة الشخصية لبعض من يحرصون على لقاء الوزير متوهّمين أن بيدهم الحلّ والرّبط.
"لو كانو جا فالح، راهو من البارح "    - يتبع

تعليقات